فأما ذلك العلويّ فكله روح و ريحان، و نغمات لذيذة و ألحان طيبة، و
صور حسان، و هو مسكن الحور و الولدان، و سرور و خير معرّى من الشوائب المنغّصة و
الأخلاق الموحشة. فلذلك قيل إنه لا يصل إلى هناك إلّا من حسنت أفعاله و زكت
أعماله، فيكون ذلك معينا له على الارتقاء إلى هناك، و اللّحاق بذلك العالم الفاضل
الشريف الكامل. و لذلك قيل حسن الصوت زيادة في الرزق، و قيل سماحة الصوت نصف
الزمانية.
فصل
ثم اعلم أن من لدن فلك المحيط إلى منتهى فلك القمر أصواتا مرتفعة و
ألحانا مطربة، و نغمات لذيذة، و لغات مختلفة، و حركات مؤتلفة ناطقة كلّها بالتسبيح
و التهليل و التكبير و التحميد. فقد بان لك بهذا الوصف معرفة الأصوات الفلكية و
الحركات السماوية. و سنذكر بعد ذلك الأصوات الأرضية و النغمات السّفلية.
فصل في معرفة أصول الأصوات الأرضية
فنقول: اعلم أن أصل الأصوات هو ما حدث من تصادم الأجرام و حركات
الأجسام. و الصوت قرع يحدث من الهواء إذا صدمت الأجسام بعضها بعضا، فتحدث بين ذينك
الجسمين حركة عرضية تسمّى صوتا، بأي حركة تحركت، و لأي جسم صدمت، و من أي شيء
كانت. و هذه الأصوات تنقسم قسمين: حيوانية و غير حيوانية. و الحيوانية تنقسم
أقساما و تتفرق أجناسا على حسب اختلاف الحيوان في أجناسها و تباينها في أصواتها.