التي تقدم عليها، و تصعد إليها. و تلك
الحركات و الأصوات هي مكيال الدهور و الأزمان التي بها يحكم على عالمها بالبقاء من
حيث هي، كما أن الأصوات اللذيذة و الألحان المطربة و النغمات الحسنة في عالم
الأبدان تفرح بها نفوس السامعين لها، و تحنّ إلى استماع ما كان لذيذا منها، و تسرّ
بقربها، و تسلّي عنها الغموم، و ينجلي عنها الهموم، و يكون منها سكونات فاصلة بين
تلك النغمات و الحركات، فتصير عند ذلك مكيالا للزمان، و ذرعا له، و محاكية لحركات
الأشخاص الفلكية، و الأصوات الملكية، و مناسبة لها، و تلك هي الأصل في جميعها، و
هذه فروعها. و قد استمعتها النفوس و هي في عالم الكون و الفساد، فتذكرت بها عالم
الأفلاك و لذات النفوس التي هناك من فسحة الجنان و روضة الريحان، و علمت أنها في
أحسن الأحوال، و أطيب اللذات، و أتم الأشكال، و أدوم السرور، لأن تلك النغمات و
الأصوات هي أضعاف هذه الألحان، و هي أطيب، لأن تلك أحسن ترتيبا، و أصحّ تأليفا، و
أجود هنداما، و أقوم نظاما، و أصفى جوهرا، و مناسبات حركاتها أصحّ تأليفا.
فإذا تخيلت النفوس الجزئية التي في عالما الكون و الفساد ما في عالم
الأفلاك، و تيقّنت حقيقة ما وصفنا، تشوّقت عند ذلك إلى الصعود إلى هناك، و اللّحاق
بأبناء جنسها، و الوصول إلى حظيرة الفلك و روضة الأنس.
و لما بان لنا أن الفلك طبيعة خامسة، و أنها ليست بمخالفة لهذه
الأجسام التي دون فلك القمر في كل الصفات، و ذلك أن منها ما هو مضيء كالنار و هي
الكواكب، و منها صقيل الوجه كوجه المرآة و هو جرم القمر؛ و منها ما يقبل النور و
الظّلمة مثل الهواء و هو فلك القمر و فلك عطارد. و هذه كلّها أوصاف الأجسام
الطبيعية، تشاركها الأجسام الفلكية، فقد بان بأن الفلك، و إن كان طبيعة خامسة،
فليس بمخالف للأجسام الطبيعية في كل الصفات، بل في بعض دون بعض، و ذلك أنه ليس
بحارّ و لا بارد، و لا