هي التي لا جزء لها، و الخط هو طول بلا عرض،
و طرفا الخط نقطتان، و الخطّ المستقيم هو الموضوع في مقابلة كل واحدة من نقطتي
طرفيه على سمت واحد. فهذا يدلّ على أنّ النّقطة وهمية لا تتحقق إلّا بالبرهان، و
لا تعرف إلّا بالخبرة، فقد تبين إذا أن الأمور المبرهنة لا تدركها الحواس و لا
تتصوّرها الأوهام، و لكن البرهان الضروريّ و الحجة القاطعة يضطران العقل إلى
الإقرار بهما، لأن البرهان ميزان العقل كما أن الكيل و الوزن و الذّرع ميزان
الحواسّ، فاعرف ما ذكرنا و تحقّق ما وصفنا، و أدم فيه فكرك، و أعمل رويّتك، فإنك
بذلك تنال غرضك، فتبلغ مرادك و طلبتك.
فصل في معرفة الأصوات الفلكية
فنقول: اعلم أن الأصوات هي الأعراض الحادثة من الجواهر، و الجواهر
جنسان، فما علا و لطف قيل: جواهر علوية، و ما دنا و كثف قيل:
جواهر سفليّة و أصوات هي أعراض لا يكون حدوثها إلّا عن الجواهر، و
حدوثها لا يكون إلّا من محرّك يحركها تارة يطنّ الصوت و يتصل بمسمع الحاضرين، و
تارة يسكنها فيسكن الصوت. و لما كان ذلك كذلك وضح البرهان على أن أصل الحركة هو
النفس، و أن الصوت منفعل من حركتها و سريان قواها في الأجسام.
و لما كانت الأفلاك دائرات، و الكواكب و النجوم متحركات، وجب أن يكون
لها أصوات و نغمات. و لما كانت مستوية في نظامها، محفوظة عليها صورة تمامها و
كمالها، وجب أن تكون حركاتها منفصلة، و أصواتها متصلة، و أقسامها معتدلة، و
نغماتها لذيذة، و ألحانها بديعة، و مقالتها تسبيحا و تقديسا و تكبيرا و تهليلا
تفرح بها نفوس المستمعين لها، و الحافّين بها من الملائكة و النفوس