جميع الموجودات و سائر المصنوعات، لما بدت و
وجدت في العالم وقع الاختلاف فيها و السؤال عنها من جهة ثلاثة أنواع يحصرها جنس
واحد. فأول ذلك الترتيب الأوّل المرتّب كان في النفس أولا بالقوة و الأمور العقلية
المعقولة، و هي صورة أعيان بسائط المركّبات و الموجودات بالترتيب؛ و الثاني هي
الأمور المحسوسة ثم البرهان يقتضي علّتها و يبيّن معانيها، و يعرف الناظر فيها و
السائل عنها معرفة كيفيتها معقولة في غاية التجرّد النفساني، و كونها بعدها محسوسة
في العالم الجسماني.
فأما تفصيل ذلك فنقول: أما الصورة العقلية فهي آثار العقل الكلّي في
النفس الكلّي لقبولها منه و كونها بالقرب منه، و هي أنوار مضيئة تخرج عن حدّ الوصف
بالعبارة الجسمانية من حيث التركيب، إذ كانت في غاية البساطة و التجريد، إلى
الأمور المحسوسة، فهي صورة في الهيولى تدركها الحواسّ بالمباشرة لها، و تنفعل منها
بخاصة القوة فيها.
و أما الأمور المبرهنة فهي أشياء لا تدرك إلّا بمواد العلم و صحة
العقل، و هي أمور يكون مبدؤها من أمور إلهية و أشخاص ملكية، تضطر العقول إلى
الإقرار بها و الإذعان لصحتها و التمسّك بمعرفتها، كما بيّن في كتب الهندسة و صحة
الدليل على ما قد قال أهلها: إن أشكال الأشياء لا يحاط بأطرافها، و لا تدرك
أقدارها، و لا ترى أقطارها، و لا يمكن رؤيتها إلّا مدورة بأي شكل شكّلت، و أي مثال
مثّلت كما قال أقليدس في كتابه: إن مقدار ظل أي نهاية، جسما كان أو سطحا، أو خطّا،
فإنه يمكن أن يوجد منه دائما و لا يفنى أبدا. فهذه حكمة لا تدركها الحواسّ و لا
تتصورها الأوهام البتّة من غير تعريف.
و قد تكلم أقليدس أيضا في مقدّمات كتابه عن البرهان و قال: إن
البرهان مقدّمات الحجة على تحقيق الخبر.
فأما التمام فهو العلم بالمعلوم بجميع ما ذكرنا. قال أقليدس: و إنما
النّقطة