ثم اعلم أن الغرض من اتحاد المركّبات كلّها هو معرفة السبب الموجب
لذاتها، المنشئ لمباديها، المؤلّف لكيفيّاتها، و كيف كان منشأ الابتداء، و إلى أين
تؤول العاقبة في الانتهاء، و كيف كان التئام التأليف، و اتفاق اللطيف بالكثيف، و
ازدواج التركيب، و كيف يكون افتراق المجتمع، و انفراد المزدوج، و انحلال المنعقد،
و اتحاد منفردها، و عدم وجودها، و نفاد أجزائها بعد صحة وجودها و سلامة معهودها، و
وثاقة معقودها. فإذا أنت علمته و تصوّرته و تبيّنته و تأملته بان لك، إذا ساعدك
عليه حسّك و أوصلك إلى معرفة قبول جوهرة نفسك، و تأملته تأمل التحقيق، و بان لك
كيفيّة التأليف و التركيب، و اقتران اللطيف بالكثيف اللذين بهما و بصحة معرفتهما
وجود مادّتهما، و إحداهما مادّة أرضيّة و قوة جسميّة، و الأخرى صورة روحانية و
شهوة ملكية، فيا لها من قصّة عجيبة ظريفة من اجتماع ما علا مع ما دنا، و ارتباط ما
لطف بما كثف، حارت في ذلك عقول الحكماء، و تاهت فيه أذهان العقلاء، و انسدّت الطرقات،
و انطمست العلامات، و تعذّرت الدلالات، إذ كان من المنكر في هذا العالم على من له
حكمة و نظر أن يقرن العالم بالجاهل، و أن يجمع بين الجوهر و الحجر في مقرّ واحد،
اللّهم الّا يكون أراد تعذيب العالم بالجاهل، جزاء له بذنب عمله و جرم قدّمه، أو
مقارنة الجوهر بالحجر و كونهما في مكان واحد، ليكون الحجر سترا على الجوهر و واقيا
له و غطاء عليه و حجابا بين يديه، لا أن يكون العالم و الجاهل عنده في مقام واحد.
و كذلك الحجر و الجوهر إذا كانا في مقام من جهة الصّورة الجسمانية و الهيولى
الجرمانية، منعكسان في فيء الهيولى، فإنهما لا يعرفان ما اتحد بهما بفيء الظل و
الجوهر من المواد المضيئة و الرتب العلوية، أعني العالم، و الحجر عدم ذلك فليس
يقال بأنه عالم.