عنه هذه الأمور التي ذكرناها، و الإخبار عن
كيفية تركيبها و تحليلها، و حركتها في مبدئها، و كونها بذاتها، و عن اختلاف
مجاريها و ينبوعاتها في سائر الأجسام، و شدّة بيانها عن الحواسّ، و سريانها في
الأجناس، و إنارتها للحواس، و صفة حدوثها بسرعة و انتقال، و خروجها بحركة و
انفصال، و ذهابها بعدم و اضمحلال، و كيفية وجودها في عالم الإنسان، و كيف كانت فيه
في مبدئها و كيفيّتها فيما دونه من الحيوان و غير الحيوان، تؤدّيها إلى حاسة السمع
من جملتها، و من يحملها و كيفيّة حملها، و ما السبب الموصل لها إلى الحاسّة
المتحققة بها، و لم يدركها من الحواسّ غير هذه الحاسّة، و ما العلّة في ذلك، و كيف
يعرف الإنسان بخاصة هذه الحاسّة مفهومها و غير مفهومها بالبرهان.
و هذه أمور غامضة نحتاج فيها إلى بحث دقيق؛ و الإخبار بها من غايات
الأسرار، و نريد أن نذكر منها في هذه الرسالة طرفا بحسب التوفيق، ليكون مدخلا إلى
علم ذلك، و و مقدّمة بين يديه ليسهل الباقي، و يكون بأوجز قول يؤدّي إلى الفهم، و
أوضح دليل يسهل به العلم من غير تطويل يشتبه على قارئه، و لا إسهاب يضجر راويه، و
نبدأ من ذلك في ذكر الأصل و العلم في مبادئه فنقول:
اعلم أن هيولى الحكمة تتحد من إرادة الهيئة، لأنها هيولى قابلة لجميع
الأشياء، و هي مادة سماوية، و قوّة فلكية و أسباب علوية، و قوة عقلية متصلة بجواهر
روحانية و أشخاص نفسانية، ترتبط بأفلاك دائرة، و تتصل بكواكب سائرة، و تشرق على
نجوم طالعة، و تضيء بأنوار ساطعة، و ترمي إلى ما دونها أنوارها و تودع المصطفين
في الأشخاص الإنسانية أسرارها، و تجعل فيهم ودائع الخيرات، و تجعلهم مفاتيح
البركات، و ذلك بما يتخالف إليها و يتعاقب عليها من اتصال و افتراق، و اختلاف و
اتفاق، من غير خلل في نظام الابتداء، و لا تنقّص عن تمام البلوغ و الانتهاء. و إن
تلك المادة الفاعلة لجميع المكوّنات لا تدرك إلّا بلطائف الحواسّ، و لا يبلغ
تناولها إلّا