الإشارات و التنبيهات، بل كانوا متهيئين
لصورها مستعدّين لقبولها.
فأما سيد الأنبياء و خاتم المرسلين، صلى اللّه عليه و آله، فقد اتفق
مبعثه في قوم أميّين من أهل البوادي، غير مرتاضين بالعلوم، و لا مقرّين بالبعث و
النشور، و لا عارفين بنعيم ملكوت الدنيا فضلا عن معرفة نعيم أهل السماوات الذين هم
ملكوت الأفلاك و الآخرة و أهل الجنان فجعل أكثر صفة الجنان في كتابه جسمانية،
ليقربها من فهم القوم، و يسهّل تصوّرها عليهم، و ترغب نفوسهم بها. و نحن قد جعلنا
بحثنا عن أسرار الكتب الإلهية، و بيّنّا في أكثر رسائلنا معنى أسرار التنزيلات
النبوية، و كشفنا عن أكثر الرموزات و الإشارات و عن الموضوعات الناموسية. و ذلك
لأن خطابنا لا يكون إلّا مع أقوام علماء فضلاء مارسوا إخوان الصفاء، و رسخوا في
العلم، و ارتاضوا بالرياضيات الحكمية المقرونة بأسرار الكتب الإلهية و إشارات
الأنبياء :.
فإن كنت أيها الأخ واحدا منهم، فهلمّ إلى صحبة إخوان لك فضلاء، و
أصدقاء كرماء، علومهم حكمية، و آدابهم نبوية، و سيرتهم ملكية، و لذاتهم روحانية، و
هممهم إلهية. و اترك صحبة إخوان الشياطين الذين لا يريدونك إلّا لجر منفعة
الأجساد، أو لدفع المضرة عنها. و كن يا أخي من المؤمنين الذين بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، حتى تكون من الذين أشار إليهم بقوله: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» و تكون من الذين مدحهم اللّه تعالى بقوله:
«الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ».
و إذ قد فرغنا من ذكر اللذات و الآلام الجسمانية التي تجدها النفس
بمفارقتها الجسد، و ما تجدها بمجرّدها و هي مع الجسد، فنريد أن نذكر ما تجده بعد
المفارقة من اللذة و الآلام التي هي جزاؤها و ثوابها على ما عملت من شر و عرفان و
إنكار المعبّر عنه في الشريعة النبوية بالثواب و الجزاء و العذاب الأليم.