مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ»
و هي آمال طوال و آجال قصار «لابِثِينَ فِيها
أَحْقاباً لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَ
غَسَّاقاً» إشارة إلى ما ذكرنا، كلما نضجت جلودهم، يعني
أجسادهم، بالبلى بدّلنا لهم جلودا غيرها، بدّلوا بالكون ثانيا.
فصل
اعلم يا أخي بأن اللّه، عزّ و جل، قد أكثر في القرآن مدح المؤمنين و
ذمّ الكافرين، لأنهما خلّتان بينهما بعد بعيد: إحداهما مجمع الخير كله، و فضيلة
الإنسانية فيها كلها، و هي الإيمان، و الأخرى ضدها و هي الكفر، و هو مجمع الشرور
كلها. و قد بيّنّا في رسالة الناموس و رسالة المؤمنين معنى قولنا ما الإيمان و من
المؤمن؟ و نذكر في هذا الفصل ما الكفر، ليعلم من الكافرون بالحقيقة، فنقول:
اعلم أن الكفر في لغة العرب الغطاء، و هو شيء يعرض للنفس من جهة
الجسد، و ذلك أنه إذا استقرت النفس في الجهالة تغطّى عليها أمر ذاتها، و ذهب عليها
معرفة جوهرها، و تنسى مبدأها، و لا تذكر من أمر معادها، حتى تبلغ من جهالتها ألا
تعلم بأن لها وجودا خلوا من الجسد، حتى تظن أنها جسم كما يظن و يقول كثير ممن
يتعاطى النّظر في العلوم، و هو قولهم: ان الإنسان هو هذا الجسد الطويل العريض
العميق، المؤلّف من اللحم و الدم.
و لا يدرون أن مع هذا الجسد جوهرا آخر و هو المحرّك له، و هي النفس
المطهّرة به، و منه أفعالها.
فمن لا يعرف جوهر النفس فهو لا يعرف شيئا من الأمور الروحانية و لا
يتصورها، و إذا سمع ذكرها أنكرها لشدة استغراقه في بحر الهيولى و ظلمات الجهالات.
فهؤلاء إذا سمعوا بذكر جهنم، لا يتصورونها إلّا أمرا صناعيّا،