و هو أنهم يظنون أن جهنم هي خندق محفور،
كبير واسع، مملوء من نيران تشتعل و تلتهب، و أن اللّه تعالى يأمر الملائكة قصدا
منه و غيظا على الكفّار أن يأخذوهم و يرموا بهم في ذلك الخندق. ثم إنه كلما أحرقت
أجسادهم و صارت فحما و رمادا، أعاد فيها الرطوبة و الدم حتى يشتعل من الرأس ثانيا
كما اشتعل أول مرة. و هكذا يكون دأبهم أبدا، و يحتجون بقوله تعالى:
«كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها
لِيَذُوقُوا الْعَذابَ.» و لا يدرون معنى قوله تعالى و لا تأويل
كتابه، انهم إذا سمعوا أن اللّه غفور رحيم حنّان منّان رءوف ودود، و ما شاكل ذلك
من أسمائه الحسنى، و تفكروا فيها أنكرت عليهم عقولهم ما اعتقدوا فيه من الحقد و
قلة الرّحمة لخلقه، فعند ذلك يتحيرون و يتشكّكون فيما أخبرت به الأنبياء، :، إذ لا يعرفون شيئا عن صفة جهنم و عذاب أهلها، و لا يعرفون تأويل كتبهم و
لا معاني إشاراتهم و رموزاتهم و دقائق أسرارهم.
فهكذا إذا سمعوا ذكر الجنة و نعيمها و سرور أهلها و لذاتهم، فلا
يتصورونها إلّا أمورا جسمانية شبه بساتين فيها أشجار و عليها ثمار، و قصور بينها
أنهار، و في تلك القصور حور و غلمان و ولدان مردان على أمثال أبناء الدنيا و نعيم
أهلها. و إذا سمعوا بأن أهل الجنة في جوار الرحمن حيث قال:
في مقعد صدق عند مليك مقتدر، و أنهم يزورون رب العالمين فيرونه و
ينظرون إليه، كما قال تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ»، و أن الملائكة يزورونهم
بالهدايا و التّحف كما قال اللّه تعالى: «وَ
الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ» و
ما شاكل هذا من وصف أهل الجنة من شرب الشّراب أو مباشرة مع الأبكار، و أنهم أحياء
لا يموتون، و شبان لا يهرمون، و أصحّاء لا يمرضون و لا يجوعون و لا يعطشون، و
يأكلون و يشربون و لا يبولون و لا يتغوّطون و ما شاكل هذه من الصفات التي لا تليق
بأجسام الطبيعة الكائنة الفاسدة فضلا بالأشياء الروحانية.