إلى أصول النبات و إلى أعلى فروعها، فإذا لم
تجد ذلك جفّت أجسامها و هو موتها، و لكن لا يعرض لنفوسها الألم عند فقدان الغذاء
كما يعرض للنفوس الحيوانية، فمن أجل هذا لم تجعل لها حيلة التنقل من مكان إلى مكان
في طلب الغذاء كما للحيوان، و لا فرارا من المؤذيات، لأنه لا يليق بالحكمة الإلهية
أن تجعل لها ألما و تمنعها حيلة الدفع.
و أما النفوس الحيوانية لما جعلت لها حيلة الدفع عن أجسادها الأشياء
المفسدة لها، جعل لها ألم يحثّها على ذلك إما بالطلب، و إما بالهرب، و إما
بالتحرّز، كما بيّنّا في رسالة الحيوان.
و أما لذة الانتقام فهي أيضا خروج من الألم. و ذلك أن الغضب نار و
حرارة تشتعل في جرم القلب و هو شهوة الانتقام من المؤذي الذي أثار الغضب، فإن وصل
إلى الانتقام، سكنت تلك الحرارة و خمدت نارها. و إن لم يقدر على ذلك و لم يصل
إليه، صار الغضب حزنا و مصيبة، مثال ذلك، إذا قتل لأحد قتيل أو قدت نار غضبه على
القاتل شهوة القوّة، فإن قتل القاتل سكنت تلك الحرارة، و إن قتله الموت صار حزنا و
مصيبة، لأنه لا يمكن أن يؤخذ من الميت القوة. و على هذا القياس سائر الشهوات نيران
تشتعل في الأجساد و تحسّ النفوس آلامها.
ثم اعلم أن الأجساد كلها نيران بالقوة جامدة، فإذا أصابتها نار
بالفعل، صارت نيرانا بالفعل. و الدليل على ذلك أنها كلها يمكن أن تحرق بالنار. فلو
لم تكن من النار لما أمكن إحراقها بها. و هكذا حكم مأكولاتها و ملبوساتها كلها
نيران جامدة كوّنت من النار و الهواء و الماء و الأرض، و إليها تستحيل بعد مفارقة
النفوس لها. و من أجل هذا قال رسول اللّه، صلى اللّه عليه و سلم:
«أهل النار خلقوا و من النار يأكلون، و على النار يتقلبون» و هذه حال
الأجساد و مرافقها و مادّتها كلها نيران جامدة، إذا اشتعلت التهبت على الأفئدة كما
قال اللّه، عز و جل: «نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي
تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّها عَلَيْهِمْ