المنيّ، و قد جعلت الحكمة الإلهية و العناية
الربانية شهوة مركوزة في جبلة الذّكران للاجتماع مع الإناث من أبناء جنسها، و كذلك
في طباع الإناث الاجتماع مع الذّكران ليكون منهما التناسل و النّتاج ليبقى النسل
في بقاء الأشخاص و الصورة في الهيولى إذا كانت الأشخاص لا بقاء لها دائما في عالم
الكون و الفساد لعلل يطول شرحها. و قد ذكرنا طرفا منها في رسالة البعث و القيامة،
و طرفا في رسالة العلل و المعلولات. فإذا خرجت تلك النّطفة من بدن الحيوان الفحل
خفّ عن الطبيعة ما كان يجده من الثّقل و وجد الحيوان عند ذلك راحة و لذة.
و أما اللذة و الراحة التي يجدها الحيوان عند السكون و الهدوء و
النوم فهي من أجل أن الحركة التي تسخّن مزاج أبدانها، و تجفّف رطوبات العضلات و
الأعصاب المحرّكة للأعضاء، فتضعف عند ذلك عليها الحركة، فإذا سكنت و تمددت و هدأت،
بردت أبدانها و تولدت من السكون برودة، و من البرودة رطوبة، فلانت الأعصاب و
الأوتار المحرّكة لتلك الأعصاب و العضلات، و سهلت الحركة، و هكذا أيضا حكمها عند
وضع أحمالها و أثقالها تجد راحة، لأن الحركة المفرطة و الثّقل يسخّنان المزاج و
يخرجانه من الاعتدال.
و أما اللذة و الراحة التي يجدها الحيوان عند الحر و البرد فهو من
أجل أن الحر إذا دام عليها، سخّن مزاج أبدانها، و أخرجها من الاعتدال، فيؤلمها
ذلك، فعند ذلك يطلب ما يضادّها من برد الظلال و الأفياء و المواضع الباردة، فإذا
دامت هناك زمانا طويلا، أفرطت البرودة في أبدانها، و خرجت من الاعتدال إلى الجانب
الآخر، فعند ذلك تطلب الدفء و الشمس و النيران و ما يضاد البرودة.
فقد تبين بما ذكرنا أن الحيوانات في دائم الأوقات تتفرّج و تستريح
تارة من ألم الحرارة إلى ضده، و تارة من ضده إليه؛ و تبين أيضا أن اللذات