نصرانيّا أسلم، و لا مجوسيّا آمن بآرائهم،
متمسّكين باعتقاداتهم محتفظين، بل يزدادون باعتقادهم و مذاهبهم احتفاظا، إذا نظروا
إلى هؤلاء المجادلة فرأوا خصوماتهم في أحكام الدين، و كثرة خلافهم و منازعاتهم
بعضهم لبعض، و عداوة بعضهم مع بعض، و يلعن بعضهم بعضا، فاعتبروا أن ليس مثل هؤلاء
المجادلة فيما هم فيه و من يدخل في مذاهبهم إلّا كما ذكر اللّه تعالى: «كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها» «و
قالوا لا مَرْحَباً بِهِمْ» فهذا حكم المجادلة فيما
هم فيه من الخصومات و العداوات في الدين.
ثم اعلم أنك إذا تأمّلت طبقات الناس و جماعاتهم في أحوالهم من الدين
و المذاهب، و العلوم و الصنائع، و التجارات، و الحرف، لم تجد بينهم من العداوة و
البغضاء و الطعن و اللعن عشر العشر مما تجد بين أهل هذه الطبقة المجادلة.
و ذلك أنك تراهم يكفّر بعضهم بعضا، و يتبرأ بعضهم من بعض، و يرى كل
واحد منهم حلّ أخذ مال مخالفيه، و يشهد عليهم بالكفر و الزندقة و الخلود في النار
أبد الآبدين. فلا جرم قد بغّضوا العلماء إلى الناس، و زهّدوهم عن تعلم العلم و
الأدب و طلب المعارف. و ذلك أن الناس، إذا نظروا إليهم و هم بهذه الأوصاف، فلا هم
يتعلمون و لا يتركون غيرهم يتعلم، و ما مثلهم في ذلك إلّا مثل الكلب ينام في
المعلف و هو لا يأكل و لا يدع الخيل تأكل، حتى يموت هو و هي ضرّا و هزالا.
يحكى عن الحسين بن علي، 7، أنه كان يقول: «يا علماء السّوء
جلستم على باب الجنة، فلا أنتم تعلمون فتستوجبون الجنّة، و لا تركتم غيركم يجوزكم
فيدخل الجنة!» و ذلك أنهم إذا نظروا إليهم و ما هم فيه من هذه الأوصاف التي ذكرنا،
فاحذرهم فإنهم أعداء أهل العلم، و مخالفون لأهل الورع، مضادون لإخوان الصفاء، لأن
أحوالهم و أخلاقهم أخلاق الشياطين، و قوتهم قوة الدجّالين، ذلقوا اللسان، عميان
القلوب، فصحاء الألفاظ، جاهلون بالمعاني، قد نصبوا أنفسهم للمجادلة مع العلماء، و
مناقضة الحكماء،