الحكماء، لا يحسنون أن يجيبوا عليها. فإذا
استعصى عليهم بالسؤال و البحث أنكروها و جحدوها، و يأنفون أن يقولوا: لا ندري، أو
يقولوا: اللّه و رسوله أعلم. بل يخوضون في طغيانهم و جهالاتهم، و يدّعون فيها
المحالات، و ربما يضعون في إبطالها المقالات المزخرفة، و يعارضون بها الحكماء و
العلماء، و يشنّعون بها عليهم مثل قولهم: إن علم الطّب و النجوم باطل، و إن
الكواكب جمادات، و إن الأفلاك لا وجود لها، و إن علم الطب لا منفعة فيه، و إن علم
الهندسة لا حقيقة له، و إن علم المنطق و الطبيعيات كفر و زندقة، و إن أهلها
ملحدون، و يدّعون عليهم المحالات، و يحكون عنهم الخرافات، و يقولون: هذا كلامهم و
مذهبهم و رأيهم و اعتقادهم. و لعل القوم لا يقولون قليلا و لا كثيرا، و لا
يعتقدونها، و إن كان الاعتقاد لهم و رأيهم، فلا يسمع منهم أحد ذلك، و يموتون مع
اعتقاداتهم و اندراس مذاهبهم، فلا يعلم و لا يحس به أحد. أولئك كالأنعام بل هم
أضلّ سبيلا.
و أما هؤلاء المجادلة فيظهرون بها في أهل المجادل، و يوردون تلك
الاعتقادات الفاسدة و المذاهب الرديئة بفصيح العبارات، و يبينون عنها بأوضح
الاحتجاجات. و يكتبونها بأصحّ الخطوط و أجود ورق، ينسبونها إلى أقوام قد عرفوا
بالعلم و الحكمة و جودة الرأي و صحة التمييز، على سبيل الشّنعة عليهم و الوقيعة
بهم بسخيف الرأي، و يسمونها الأحداث، و يصورونها في قلوبهم، و يمكّنون في نفوسهم
تلك الآراء الفاسدة و المذاهب الرديئة، و يحيّرونهم و يشتّتونهم في الحقائق. فلو
أن أهل تلك الآراء و المذاهب اجتهدوا بجهدهم، و أنفقوا الأموال في إظهار مذاهبهم،
و الاحتجاج على آرائهم، و الإيضاح عن اعتقاداتهم، لما بلغوا عشر العشر مما قد بلغ
هؤلاء المجادلة في تملّكها في أكثر النفوس.
و مع هذه البليّة كلها يدّعون أنهم بهذا الفعل ينصرون الإسلام و
يقرّون الدين! و إلى يومنا هذا ما روي أن يهوديّا تاب على يد واحد منهم، و لا