يوم القيامة. و ذلك أنهم يعيب بعضهم بعضا
بحرقة قلوبهم و ألم نفوسهم، و هم في العذاب مشتركون، أولهم مع آخرهم كما ذكر
تعالى: «كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها»
التي خالفتها. و قالوا: «لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا
النَّارِ.» و قالوا: «رَبَّنا هؤُلاءِ
أَضَلُّونا.» يعني من كان موافقا لهم. و قيل لهم:
«فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» لما تركتم وصية ربكم و نصيحة نبيكم! و قال:
«وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» فكانوا هم الظالمين بتركهم الوصية.
فصل
و اعلم أن الآراء الفاسدة كثيرة، و فيما حكينا كفاية للمعتبر
المتفكّر، و أن أهلها جمّ غفير لا يعرفون و لا يطاقون و لا يؤمن من غوائلهم، و هم
جنود إبليس أجمعون، و هم الأشرار و الكفّار و الفسّاق و المنافقون و أهل البدع و
الضلالات، و لكن أشرّهم على أهل الدين و الورع، و أضرّهم على العلماء، و أشدّهم
على عداوة الحكماء، هذه الطائفة الظلمة المجادلة المخاصمة الكفرة الفجرة الذين
يخوضون في المعقولات و هم لا يعلمون في المحسوسات، و يتعاطون البراهين و القياسات
و هم لا يحسنون الرياضيات، و يتكلّمون في الإلهيات و هم يجهلون في الطبيعيات، و
يتصدّرون في المجالس و يتجادلون في أشياء لا تفيد في الدين علما، و لا تنتج في
الحكمة فائدة، مثل كلامهم في التعديل و التجويز و الجزء الذي لا يتجزّأ، و ما
شاكلها من المسائل المموّهة المزخرفة التي لا حقيقة لها و لا وجود، إلّا في
الأوهام الكاذبة، و لا يصح للمدعي فيها حجّة، و لا السائل عنها برهان، و هم خائضون
فيها في مجالسهم، مضيّعون فيها أوقاتهم بالخصومات و الجدالات و المعارضات و
المناقضات، و إذا سئلوا عن أشياء هي موجودة، مقدّرة بين الناس، و معروفة مشهورة
عند