ثم اعلم أن نفوس الجهال كلّها موتى بالقياس
إلى نفوس العلماء، و ذلك أن قلوب العلماء مفتوحة، و صدورهم منشرحة متسعة، ممتلئة
من نور الهدى، و روح المعارف، و زهرة العلوم. و قلوب الجهال حرجة منغلقة، و صدورهم،
من الوسواس و الخيالات، ضيّقة مظلمة، و أوهامهم هائمة، و أفكارهم تائهة في ظلمات
الجهالات المتراكمة، و نفوسهم ممتلئة من الوساوس و الخيالات، كما قال اللّه تعالى
في عدّة آيات من القرآن، مثل قوله: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ
أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ» إلى
قوله: «الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.» و مثل
قوله: «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ»
إلى آخر الآية. أو: «كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ
يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها
فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ».
و اعلم أن حياة النفوس و يقظتها هي المعارف و العلوم، كما أن حياة
الأجساد و يقظتها بالحس و الحركة، و أن لكل جنس من الحيوانات ضروبا من المأكولات
هي غذاء لأجسادها، من نبات الأرض و ثمار الشجر و أوراقها، تشتهيها بطباعها، و تلتذ
بها بنفوسها، كلّ ذلك بحسب امتزاجها، و تركيب أجسادها و عاداتها في تناولها.
و هكذا أيضا حكم شهوات النفوس و لذاتها في مأكولاتها و مشروباتها، و
اختلاف ألوانها و فنون طعومها، تشتهي هذا و تلتذ هذا بما لا يلتذّ به هذا، و تشتهي
و تلتذ في وقت، و لا تشتهي في وقت آخر، بل تكرهه و ينفر طبعها منه و يتأذى.
و هكذا حكم لذاتها و شهواتها في المعارف و العلوم و الصنائع و
التجارات و الأعمال و الحرف و تصاريفهم في الأمور، و ذلك أن من الناس من تكون نفسه
مطبوعة على محبة الصنائع و الحرف في تعليمها مشتهيا لها مستلذّا بها.
و منهم من يكون مطبوعا على محبة التّجارات و البيع و الشراء، مشتهيا
لذلك، ملتذّة به نفسه. و منهم من تكون شهواته و عشقه في جمع المال و الأثاث