و إنكار! من ذلك من يرى و يعتقد أنه لا
يجازى و لا يكافأ على إحسانه و سيئاته إلّا في الآخرة بعد الموت، أو يرى و يعتقد
أنه لا تكون الآخرة إلّا بعد خراب الأرضين و السماوات. و هذا الرأي و الاعتقاد
يبعد عن صاحبه طريق الآخرة، و يقلل رغبته في ثواب أعماله و جزاء إحسانه، و يقلل
رهبته و خوفه من عقوبات سيئاته- و إليه أشار بقوله:
«إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً».
و بقوله: «أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ
بَعِيدٍ». و هكذا رأي من يعتقد أن الجنة التي وعد المتقون ليست بموجودة، و
كذلك النار التي حذّر اللّه عباده منها ليست بموجودة. و مثل هذه الآراء و
الاعتقادات و أمثالها تشكّك معتقديها في الوعد، و تقلل رغبتهم فيه. و هكذا حكمهم
في الوعيد و الرّهبة منه، و هكذا أيضا رأي من يرى و يعتقد أن أولياءه و أمناءه و
رسله و أهل جنّته لا يرونه و لا يدرون رتبته و ما هو، إن هذا الرأي يؤيس من روح
اللّه، و هكذا رأي من يعتقد أن اللّه لا يغفر الذنوب و لا يعفو عن السيئات و
الخطإ، و هذا يقنط من رحمة اللّه تعالى، و هذا أيضا و ما شاكل هذه الآراء المقلّلة
للرغبة و الرّهبة في نعم الجنان و عذاب النيران.
و من الآراء الفاسدة أيضا رأي من يعتقد الترخيص في الشّبهات، و
الإباحة في المحظورات المحرّمات، فإن صاحب هذا الرأي يكسبه اعتقاده جرأة على
اللّه، و تعدّيا لحدوده، و ارتكابا لمحارمه، و يكون صاحبه في السر مخالفا لأبناء جنسه،
و منافقا مرائيا لا يصدق في معاملته و لا يفي بعهده، و لا ينصح في أمانته. و في
مثل هذه الخصال فساد الدين و الدنيا جميعا.
و من الآراء الفاسدة أيضا رأي من يرى و يعتقد أن اللّه الرحيم الرؤوف
الحنّان يعذّب الكفّار و العصاة في خندق في النار غيظا عليهم و حنقا، و كلما
احترقت أجسادهم و صارت فحما و رمادا، عادت فيها الرطوبة و الدم لتحرق مرّة ثانية.
و اعلم يا أخي أن هذا الرأي يسيء ظنّ صاحبه بربه، و يعتقد فيه قلّة