المسائل للخلاف. و ذلك أن منهم من يرى و
يعتقد أن معلومات اللّه لم تزل هي أشياء في القدم جواهر أو أعراض، لأن الشيء
عندهم هو الذي يخبر عنه و يعلم، فقد علم اللّه الأشياء قبل أن أخرجها من العدم إلى
الوجود و اخترعها.
و هذا رأي بعض القدماء و بعض متكلمي أهل هذا الزمان.
و من العلماء من يرى أن اللّه لم يزل عالما بأنه لا شيء سواه، و كان
عالما بأنه سيخلق الأشياء و يجعلها جواهر أو أعراضا، و يؤلفها على ما هي عليه الآن
ثم فعل كما علم.
و أما مسألة المشيئة و الإرادة فهي أيضا من إحدى مسائل الخلاف و
أمهاتها بين العلماء: و ذلك أن منهم من يرى أن في علم اللّه تعالى أشياء لا يريدها
هو و لا يشاؤها البتّة، و هي الشرور و العصيان و المنكر.
و منهم من يرى و يعتقد بأنه لا يجوز أن يكون في علم الباري أشياء لا
يريدها هو مع قدرته على تغييرها، و علمه بكونها شرّا كان أو خيرا.
و منهم من يرى أن اللّه تعالى لا يوصف بالإرادة و المشيئة إلّا على
سبيل المجاز، و إنما يوصف الباري تعالى بالعلم، و ما علمه بأنه سيكون فلا بد من
كونه، كونه هو، أو كونه غيره. و ما علم بأنه لا يكون، فلا يكونه هو و عباده.
فالإرادة لا يحتاج إليها و لا معنى لها، لأن الإرادة يوصف بها من لا يدري هل يكون
الشيء أم لا، فإن اختار أراد أن يكون، و إن لم يختر فلا يريد أن يكون.
فعلى هذا الأصل كلتا الطائفتين الخائضتين في إرادة اللّه و مشيئته
على غير تحقيق، بل على سبيل المجاز.
و أما احتجاج من يزعم و يقول: إذا كان لا يقع من العباد ما أمروا به
و نهوا عنه إلّا بما قد سبق العلم به أن يكون أو لا يكون، فالأمر و النهي و الوعد
و الوعيد و المدح و الذم لما ذا؟ و ما وجه الحكمة فيها؟ فليعلم قائل هذا القول بأن
اللوم و الذم ليس يلزم العبد من أجل وقوع المعلوم منه، بل من