الصبيان، فتعلق به و غوّصه في الماء و لم
يفارقه حتى قتله، و طلب آخر كذلك و هرب الباقون. فدعا النبي حين ذلك ربّه أن
يكفيهم شرّه، فأوحى اللّه تعالى إليه و قال: إني قد فعلت، و لكن لم ترض بحكمي، و
تعرضت في تدبيري لخلقي. فتبين للنبي أن كل ما يجري في العالم من أمثال هذه الأمور
فلله تعالى فيه سر و تدبير و حكمة لا يعلمها إلّا هو.
و قد أخبر اللّه تعالى في القرآن من حديث نبيين و ما جرى بينهما من
الخطاب في هذا المعنى، أحدهما موسى، 7، و هو صاحب شريعة و امر و نهي و
حدود و رسوم و أحكام، و الآخر الخضر، 7، و هو صاحب سر و غيب و كتمان، و
كيف تعرّض له موسى، 7، فيما يفعله بواجب حكمة، و كيف اعتذاره إليه لما
لم يستطع معه صبرا. و إنما ذكرنا هذه الحكايات في هذا الفصل لأن أكثر الآراء و
المذاهب تتشعب في هذه الأمور المشكلة التي فكّر فيها العلماء، و طلبوا عللها، فلما
لم تبلغ أفهامهم كيفيّة معرفتها، تفرّقت بهم الآراء و المذاهب عند ذلك، إلّا من
عصمه اللّه و هدى قلبه و عرّفه. كما قال: «وَ لا
يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ» و
قالت الملائكة: «لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا» و
قوله: «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً».
فصل
ثم اعلم أن الأمور المشكلة كثيرة لا يحصي عددها إلّا اللّه تعالى، و
لكن يجمعها كلها ثلاثة أنواع: فمنها ما هي أمور جسمانية طبيعية محسوسة، و منها ما
هي أمور روحانية معقولة، و منها ما هي أمور رياضية متوسّطة بين الجسمانية و
الروحانية فأما الأمور الجسمانية فثلاثة أنواع: منها ما هي ظاهرة جليّة، و منها ما
هي لطيفة دقيقة، و منها ما هي بين ذلك، و قد ذكرنا طرفا