المشكلة و لم يعرف عللها، قال عند ذلك
احتجاجا لنفسه، إذ قد تبيّن له بأن اللّه حكيم عدل: «إن مصائب العباد إذا لعلل لا
يعرفها» إقرارا على نفسه بالعجز عن معرفة هذه الأمور المشكلة.
و يقال إن نبيّا اجتاز مرة عينا من الماء في سفح جبل فتوضأ منها، ثم
ارتقى إلى الجبل ليصلي، فبينما هو كذلك إذ نظر إلى فارس قد أقبل على تلك العين
فشرب من الماء و سقى فرسه، ثم ركب فمضى، و نسي عند العين صرّة فيها دراهم. ثم جاء
من بعده راعي الغنم و رأى الكيس فأخذه و مضى.
ثم جاء بعده شيخ حطّاب عليه أثر البؤس و المسكنة، على ظهره حزمة من
الحطب ثقيلة حملها، فحطّ هناك حزمته، و استلقى يستريح مما به من شدة الضعف و التعب
و الريق و الانبهار[1]. ففكر
النبي و قال في نفسه: لو أن هذا الكيس مكانه، لكان هذا الشيخ الضعيف أولى بأخذه من
ذلك الراعي الشاب الغني القوي! فما كان إلّا قليلا حتى إن الفارس قد رجع إلى مكانه
الذي شرب الماء منه، و طلب الكيس فلم يجده، فطالب الشيخ، فأبى الشيخ و قال:
ما عندي خبر هذا، فضربه و عذّبه حتى قتله و مضى الفارس. فقال عند
ذلك:
يا رب ما وجه الحكمة في هذه القضية و أين هذا من العدل؟ فأوحى اللّه
تعالى إليه أن أبا الشيخ قتل في الزمان الماضي أبا الفارس، و كان على أبي الفارس
دين لأبي الراعي بمقدار ما في الكيس، فأخذت القود، و رددت الدين، و أنا حكيم عادل.
و كذلك يحكى أن نبيّا من أنبياء اللّه تعالى اجتاز نهرا فيه صبيان
يلعبون، و بينهم صبيّ مكفوف، و هم يغوّصونه في الماء، و يولعون به، و هو يطلبهم و
لا يظفر بهم. ففكر النبي في أمره و دعا ربه أن يردّ بصره و يساوي بينه و بين
الصبيان، فلما ردّ اللّه بصره، فتح عينيه، فقرب إلى واحد من أولئك