الدهور و الأيام، فسموا المؤثرات روحانيات
الكواكب في الكائنات.
ثم اعلم أن العلماء لا يشكّون في علم و أدب قد تعلموه و فكّروه بقول
المنكرين له و الجاهلين به، و هكذا العقلاء مجبولون على أن لا يترك أحدهم دينا و
مذهبا قد نشأ عليه و أنس به، و قد اعتاد التعبّد بطول الزمان على سنته، و أخذه عن
آبائه و شيوخه و أستاذيه، من غير أن يتبين له بطلانه و ينكشف له عواره[1]، و هكذا لا يرغب أحد منهم في
الدخول في دين أو مذهب لم تتبين له صحته، و لم تصحّ له حقيقته، و لا قامت عنده
حجته، فلا تلم الناس على تمسكهم بدين آبائهم و مذاهب أسلافهم.
فاعلم أن الحق في كل دين موجود، و على كل لسان جار، و أن الشّبهة
دخولها على كل إنسان جائز ممكن! فاجتهد يا أخي أن تبين الحقّ لكل صاحب دين و مذهب
مما هو في يده، أو مما هو متمسك به، و تكشف عنه الشّبهة التي دخلت عليه، إن كنت
تحسن هذه الصناعة، و إلّا فلا تتعاطها و لا تدّعها إن كنت لا تحسنها. و لا تمسك
بما أنت عليه من دينك و مذهبك، و اطلب خيرا منه، فإن وجدت فلا يسعك الوقوف على
الأدون، و لكن واجب عليك الأخذ بالأخير الأفضل، و الانتقال إليه. و لا تشتغلنّ
بذكر عيوب مذاهب الناس، و لكن انظر هل لك مذهب بلا عيب.
و اعلم أن الإنسان العاقل قد تخفى عليه عيوب مذهبه، كما تخفى عليه
مساوىء أخلاقه و قبائح أفعاله و سيئات أعماله، و تسنح له عيوب غيره و مساوىء
أخلاقه و قبيح أفعاله، كما قيل في المثل: «يا ابن آدم لك محلّان: أحدهما فيه عيوب
نفسك، و في الآخر عيوب غيرك، و أنت قد جعلت التي فيها عيوب غيرك قدّام وجهك، و لا
تزال تطّلع عليها، و التي فيها عيوب نفسك تجعلها خلف ظهرك فلا تلتفت إليها.» قال
حكيم اليونانيين: «الإنسان يعمى و يصمّ