خلق له» فمن الناس من تيسّر له أخذ الفعل، و
منهم من تيسّر له تركه.
فلا تظن يا أخي أنه قد يقع من أحد فعل، و لا ييسّر له عمل، و لا ترك
شيء مما هو مندوب إليه، إلّا ما قد سبق له في علم اللّه الذي يسمّى القضاء المبرم
و القدر المحتوم اللذين هما موجبات أحكام النجوم و تأثيرات الأشكال الفلكية، كما
بيّنّا في رسالة الإيمان، فليعرف من هناك.
فصل
ثم اعلم أن أحكام النجوم هي أيضا من إحدى أمهات الخلاف بين الناس مذ
كانوا، و العلماء في حكمها على ثلاثة أقاويل: فمنهم من يرى و يعتقد أن الأشخاص
الفلكية دلالة على الكائنات قبل كونها في هذه الأشخاص السّفليّة، و لها أيضا فيها
أفعال و تأثيرات. و منهم من يرى و يعتقد أن لها دلالات، و لكن ليس لها فعل و لا
تأثيرات. و منهم من يرى و يعتقد أنه لا تأثير لها و لا دلالة البتّة، و لكن حكمها
حكم الجمادات و الأحجار المطروحة في البراري و القفار. و إنما قالوا هذا و أنكروا
دلالتها و أفعالها، لتركهم النظر في علم أحكام النجوم، و إغفالهم تعليمها، و
إعراضهم عن البحث عنها.
و أما الذين قالوا بأن لها دلالات فإنما عرفوا ذلك و تبين لهم صحته،
لطول التجارب، و كثرة الاعتبار في مرور الأيام و الشهور و السنين الكثيرة، أمة بعد
أمة، و قرنا بعد قرن، كما تبيّن ذلك في كتب الأحكام.
و أما الذين قالوا إن لها دلالات و أفعالا و تأثيرات، و إنهم أحياء
ناطقون، و هم ملائكة اللّه، و ملوك أفلاكه، و سكان سماواته، فإن ذلك عرفوه بعد
النظر في العلوم الإلهية و أحكامها. و العلوم الإلهية عرفوها بعد النظر في العلوم
الطبيعية و أحكامها. و العلوم الطبيعية عرفوها بعد النظر في علوم الرياضة و
أحكامها. و علوم الرياضة عرفوها بعد التعلم لها و التدرّب بطول الزمان من