ثم اعلم أن ليس أحد من المخلوقين بقادر على شيء من الأشياء و لا عمل
من الأعمال إلّا ما أقدره اللّه تعالى عليه و قوّاه و يسّره له.
و اعلم أن إقدار اللّه القادرين، و تقويته الأقوياء، و تيسير الأمور
ليس بمجبر لأحد منهم على فعل من الأفعال و لا عمل من الأعمال و لا تركه.
و اعلم أن كل قدرة في أحد من القادرين، أو قوة في أحد من الأقوياء
على فعل من الأفعال و عمل من الأعمال فهو بتلك القدرة و تلك القوة بعينها التي
يقدر بها على الفعل، و يقدر أيضا على ترك الفعل بعينه. مثال ذلك القوّة التي جعلت
في لسان المتكلم على الكلام، فهو بتلك القوة بعينها يقدر على السكوت، و بالقوة
التي في الرجلين كذلك، و في العينين على فتحهما كذلك، فإنه بتركه ذلك الفعل أيضا
قادر.
و على هذا القياس حكم سائر القوى التي يقدر على الأفعال بها، و لكن
ربّ فعل تركه أسهل من أخذه، و ربّ فعل أخذه أسهل من تركه.
و يوجد ذلك بحسب الأسباب الداعية إلى الأمور المسيّرة بها. مثال ذلك
اللص و سرقته بالليل، فإن النوم على الفرش الوطيئة، على كل حال، أسهل من الذهاب في
ظلم الليالي إلى المواضع البعيدة الشاقّة، و نقب الدور، و تسلّق الحيطان العالية
مع الخوف و الوجل. و لكن الحرص و الرغبة، و شدة الحاجة، و طول الأمل، و شهوات
النفوس، و ترك النظر في العواقب، و الغرور بالأماني، و وساوس الشيطان، و ما شاكل
هذه من الأسباب، تدعوهم إلى فعل ما هو أصعب، و عمل ما هو أشقّ، و ترك ما هو أيسر و
أسهل! و على هذا المثال حكم سائر الأعمال الصعبة و الأفعال الشاقة التي يفعلها
الفاعلون، فإن تركها أسهل من أخذها، و لكن قيل: «كلّ ميسّر لما