و القوّة المتينة، كما قال تعالى: «وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» و قلّ
من يكون كذلك، لأن النبوّة تتمّ بنيّف و أربعين خصلة من فضائل البشرية، و الملك
يحتاج إلى شرائط أخر غيرها.
فصل
فاعلم أن في بعض أخلاق الملوك مضادّة لخصال النبوة، و ذلك أن الملك
أمر دنيوي، و النبوّة أمر أخروي، و الدنيا و الآخرة كأنهما ضدان. و أكثر الملوك
يكونون راغبين في الدنيا، حريصين عليها، تاركين لذكر الآخرة، ناسين لها، و
الأنبياء، :، من خصالهم التزهيد في الدنيا، و الترغيب في الآخرة،
يأمرون بها و يحثّون عليها، فعلى هذه الدرجة يكون بعض حال الملوك مضادّا لحال
النبوة، و لكن الأنبياء، :، الذين جمع اللّه لهم الملك و النبوّة، لم
يكونوا شديدي الرّغبة في الدنيا، و لا حريصين على شهواتها، كما حكى اللّه تعالى عن
يوسف الصّدّيق، 7، حين قال:
«رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ
تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ» الآية. فهذا يدلّ على أنه كان من
الزاهدين في الدنيا. فهكذا كان داود، 7، و سليمان، 7.
و لقد ذكر اللّه تعالى في قصة داود، 7، أنه كان أوّابا
حليما، و في قصة سليمان «هذا من فضل ربي ليبلوني أ أشكر أم أكفر» و هكذا كان
النبي، 7، زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة. و قد روي في الخبر أن
جبريل، 7، عرض عليه مفاتيح خزائن الأرض، فقال:
خذها و لا ينقصك ما عند اللّه شيئا. فقال 7: «لا حاجة لي
في شيء من ذلك، حلالها حساب، و حرامها عذاب». و إنما جعل ذلك إشفاقا على أمته
لئلا يرغبوا فيها، و يحتجوا إليها بقول اللّه تعالى: