ثم اعلم أن اللّه تعالى قد جمع لنبيه محمد،
عليه الصلاة و السلام و التحية، خصال الملك و النبوة جميعا، كما جمعها لداود و
سليمان 8، و كذلك جمع ليوسف الصّدّيق، 7. و ذلك أن النبي،
صلى اللّه عليه و سلم، أقام بمكة في أول مبعثه نحوا من اثنتي عشرة سنة يدعو الناس
و يعلّمهم معالم الدين، حتى استوفى خصال النبوّة و أحكمها، ثم هاجر بعد ذلك إلى
المدينة، و أقام بها نحوا من عشر سنين في ترتيب أمر الأمة، و تحذير الأعداء، و
جباية الخراج و العشر، و مصالحة الأعداء و المهادنة، و قبول الهدايا و حملها، و
التزويج منهم و إليهم، حتى أحكم أمر الملك.
ثم اعلم أن اللّه تعالى لما أضاف إلى نبوّته الملك، لم يضفها لرغبته
في الدنيا و حرصه عليها، و لكن أراد اللّه تعالى أن يجمع لأمته الدين و الدنيا
جميعا، و كان القصد الأول هو الدين، و الملك عارض لأسباب شتى: أحدها أنه لو كان
الملك في غير أمته، لم يكن يؤمن أن يردّهم عن دينهم أو يسومهم سوء العذاب من كان
مسلّطا عليهم، مثل ما كان يفعل فرعون ببني إسرائيل.
و الخصلة الأخرى ما قال أردشير: «أن الملك و الدين أخوان توأمان».
و خصلة أخرى هي أن الناس في طباعهم و جبلتهم لا يرغبون إلّا في دين
الملوك، و لا يرهبون إلّا منهم، و بهذه الخصال و خصال أخرى يطول شرحها جمع اللّه
الملك و النبوة لنبيه محمد، عليه الصلاة و السلام و التحية و الرضوان.
و لما أشكلت هذه المسألة على اليهود و النصارى، ارتدّوا و شكّوا في
نبوّته، لما رأوا أن الملك و النبوّة لمحمد، 7. فلما أنزل اللّه، عزّ و
جلّ، قصة داود و سليمان ليحاجّ بها اليهود و النصارى، إذ كانوا مقرّين بنبوّتهما،
و قد جمع اللّه لهما من الملك و النبوّة، و لم يكن الملك قادحا في نبوّتهما، فهكذا
كان حكم محمد، 7، فإن الملك لم يكن قادحا في نبوّته.
و اعلم يا أخي أن اللّه تعالى قد جمع لمحمد، 7، الملك و
النبوّة، و أيّده بروح منه، حتى إنه قام بواجب حقّهما لما خصّه اللّه به من الجبلة
القوية،