آثار حكمة اللّه، كما بيّنّا في رسالة تركيب
الجسد و رسالة الإنسان عالم صغير.
ثم اعلم أن النفس إن لم تتمّ صورتها ما دامت مع الجسد، و لم تكمل
فضائلها مع الجسد ما دامت في الدنيا، لم تنتفع في الدار الآخرة بعد الموت على
التمام و الكمال، كما أنه إن لم تتمّ بنية الجسد في الرّحم و لم تكمل هناك صورته،
لم ينتفع الإنسان في الحياة الدنيا.
و اعلم أن اللّه تعالى جعل الدين طريقا من الدنيا إلى الآخرة، و جعل
في قوام الدين صلاحا للدنيا و الآخرة جميعا: و ذلك أن الدين له ظاهر و باطن، و
قوامه بهما جميعا. فمن الناس من لا يريد بتمسكه بالدين إلّا صلاح الدنيا و
منافعها، فيحرص في أحكام الدين و شريعته من الصلاة و الصوم و ما شاكلهما، و يرائي
الناس و بذلك يطلب منافع الدنيا، فيكون في حفظه أحكام الدين قوام له، كما قيل: «إن
اللّه ينصر هذا الدين فأقوام لا خلاق[1]
لهم»! و من الناس من يريد الدنيا لطلب الآخرة و صلاح المعاد، فهم يزهدون في
الدنيا، و يتركون الشرور، و يؤدّون الأمانات سرّا و إعلانا، و يعاملون الناس
بالصدق و الورع من غير غشّ و لا دغل، و في ذلك صلاح أمر الدنيا و الآخرة جميعا.
ثم اعلم أن كلّ من أحدث في شريعة أصحاب النواميس حدثا من تغيير في
أحكامها و تبديل في حدودها، و طلب بذلك عرض الدنيا، فإن صاحب الناموس هو خصمه يوم
القيامة. و من فعل شيئا من ذلك و أراد به صلاح ذات البين- و لكن دخلت عليه شبهة من
غير عناد و نفي أو طلب في سبب عرض الدنيا- فإن ذلك يغفر له و لا يؤاخذ به.