فنقول: اعلم أن مسألة الإمامة هي أيضا من إحدى أمّهات مسائل الخلاف
بين العلماء، قد تاه فيها الخائضون إلى حجج شتّى، و أكثروا فيها القيل و القال، و
بدت بين الخائضين فيها العداوة و البغضاء، و جرت بين طالبيها الحروب و القتال، و
أبيحت بسببها الأموال و الدماء، و هي باقية إلى يومنا هذا لم تنفصل، بل كل يوم
يزداد الخائضون المختلفون فيها خلافا على خلاف، و تتشعب فيها و منها آراء و مذاهب،
حتى لا يكاد يحصي عددها إلّا اللّه، فنحتاج أن نذكر أولا ما الأصل المتّفق عليه
بين أهلها، ثم نذكر أسباب الخلاف في فروعها فنقول:
اعلم أن الأمة كلها تقول إنه لا بدّ من إمام يكون خليفة لنبيها في
أمته بعد وفاته: و ذلك لأسباب شتّى و خصال عدّة: أحدها هو أن يحفظ الإمام الشريعة
على الأمة، و يحيي السّنّة في الملّة، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و
تكون الأمة تصدر عن رأيه.
و قوم آخرون يكونون خلفاءه في سائر البلدان للمسلمين بالنيابة عنه في
جباية الخراج، و أخذ الأعشار و الجزية، و تفريقها على الجند و الحاشية، ليحفظ بهم
ثغور المسلمين، و يحصّن بهم البيضة، و يقهر الأعداء، و يحفظ الطرقات من اللصوص و
القطّاع، فيمنع الظالم، و يردع القوي عن الضعف المظلوم، و ينصف و يعدل بين الناس
فيما يتعاملون به، و ما شاكل هذه الخصال التي لا بد للمسلمين من قيّم بها في ظاهر
أمور دنياهم.
و خصلة أخرى هي أن يرجع فقهاء المسلمين و علماؤهم عند مشكلاتهم في
أمر الدين إليه، و عند مسائل الخلاف، فيحكم هو بينهم فيما هم فيه يختلفون من
الحكومة في الفقه و الأحكام و الحدود و القصاص، و الصلوات و الجمعات