كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم». فإذا ما
تنازعوا و تخاصموا و تقاطعوا، و تركوا وصيّة نبيهم، و تفرّد كل واحد برأيه، معجبا
بنفسه، شتّت شمل ألفتهم، و تفرقت جماعتهم، و ضعفت قوتهم، فأفسد عليهم أمر دينهم، و
شمت بهم حسّادهم، و ظفر بهم عدوهم، إذا تفرّقوا في البلدان النائية، و شرع كلّ
واحد لنفسه مذهبا، و اعتقد رأيا، و تفرّد به، و ربما دعا الناس إليه. فبهذا السبب
تصير الأمة بعد نبيها فرقا و أعداء و خوارج. و لكن من أجل أن هذه المذاهب إنما هي
فروع على الدين، تفرّعها أصحاب الناموس على أصله، تكون تلك الملّة واحدة بذلك
السبب، و المذاهب مختلفة، و إلى هذا أشار تعالى:
«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ
ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ
بِإِذْنِ اللَّهِ».
ثم اعلم أن في اختلاف العلماء، في الآراء و المذاهب، فوائد كثيرة
تخفى على كثير من العقلاء، فمن أجل ذلك تجد إلى العقول بتفاوتها اختلافات كثيرة لا
يحصي عددها إلّا اللّه الواحد القهار. و قد ذكرنا في كتب المنطق طرفا من ذلك بشرح
طويل، و لكن نذكر لذلك مثالا واحدا ليكون دليلا على ما وصفنا، فنقول: اعلم أن
العقلاء كما وضعوا القياسات إلى كل من أحدث مذهبا، و اعتقد رأيا من الآراء، فإن
ذلك يصير داعيا إلى طلب الحجّة عند خصمائه، و عذرا عند العقلاء، و يكون سببا لغوص
النفوس في طلب المعاني الدقيقة، و النظر إلى الأسرار الخفية، و وضع القياسات، و
استخراج النتائج، و اتساعا في المعارف، و يكون سببا ليقظة النفوس من نوم الجهالة،
و انتباها لها من السهو و الغفلة.
و خصلة أخرى من الفوائد في اختلاف العلماء، و ذلك أنه لما كان
الإنسان لا يخلو من محاسن و فضائل، و لا ينفك عن مساوىء و رذائل أيضا في أخلاقه و
سيرته و مذهبه و أفعاله، و كان أكثر الناس تجدهم يتزيّنون بمحاسنهم، و يفتخرون
بفضائلهم، و يغفلون عن رذائلهم، و ينسون عيوبهم و مساوئهم،