بحسب اجتهاده و فهمه و دقّة نظره و مبلغ
علمه، كما قال تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ» و
قال: «وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ».
و هكذا حكم اختلاف العلماء و الفقهاء الذين أصّلوا الآراء و المذاهب
في فقه الدين و الأحكام و الحدود، فمنها معان أخذوها من ظاهر ألفاظ التنزيل، و
منها معان أخذوها من أقاويل المفسّرين، و منها قياسات و اجتهادات، و منها أخبار و
روايات أخذوها من طريق السمع. و اجتهاد كل واحد منهم بحسب قوة نفسه، و صفاء جوهره،
و اجتهاده و بحثه، سنح له شيء خلاف ما سنح لصاحبه، فتعلقوا و اجتهدوا و احتجوا على
صحتها.
و هذا الذي كلّف عباده معنى الاجتهاد في الطلب كما قيل: لكل مجتهد
نصيب، يعني في اجتهاده. و كما قال: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها».
و أما سبب اختلافهم في الأئمة الذين هم خلفاء الأنبياء، :، في أممهم بعدهم، فمن أجل أن صاحب الناموس يحتاج في وضعه للناموس و تتميمه
و تكميله إلى نيّف و أربعين خصلة من الفضائل البشرية و الملكية جميعا- كما بيّنا
في رسالة لنا- فإذا أحكم صاحب الناموس أمر الشريعة و سنن الدين و منهاجه، و بيّن
المنهاج، و أوضح الطريق، و مضى لسبيله، بقيت الخصال وراثة في أصحابه و أنصاره
الفضلاء من أمته، و لكن لا تكاد تجتمع كلها أجمع وراثة في واحد منهم، و لا يخلو
أحد من شيء منها.
فإذا اجتمعت تلك الأمة، بعد وفاة نبيها، و تعاونت و تعاضدت و تناصرت
مع ائتلاف القلوب، كما أمرها صاحبها و أوصى بها، بقوا هادين راشدين منصورين على
أعدائهم، سعداء في الدنيا و الآخرة جميعا.
ثم إذا مضى أولئك على منهاج الذين تقدموهم، خلفهم من بعدهم قوم آخرون
من ذرّياتهم و تلامذتهم، متمسكين بسننهم في أي بلد كانوا، و أي منازل نزلوا، هادين
راشدين، كما قال، 7: «إن مثل أصحابي