و الجمل و الفرس، لما في ذلك من صلاح و نفع
للناس معروف مشهور- و لا حاجة إلى تفصيل كيفيّة ذلك- و لما لها أيضا من النفع في
مراعاة الناس بالعلف و السّقي و الكنّ من الحر و البرد، و منع السباع عنها، و
مداواتها من الآفات العارضة، و ما شاكل ذلك. و مثال نفور بعض الحيوانات من الإنسان
و تباعدها عن طاعته، مثل السباع و الحيات، و جملة الحيوانات القليلة النفع،
الكثيرة الضّرّ لما فيه من صلاح الكل و النفع للعموم.
و على هذا القياس حال سائر الحيوانات بعضها مع بعض، فيما بينها من
الإلف و المحبة، و البغض و العداوة، لما فيها من النفع و الصلاح.
و أما الشرور التي تنسب إلى بعض أفعال الحيوانات بالقصد منها و
الإرادة، فمنها أيضا عارضة من أجل الهيولى التي هي مادة لأجسادها و قوام لهياكلها:
و ذلك أن المنافع لما كانت مشتركة بين الجميع، و كان في جبلتها طلب
المنافع و دفع المضارّ بالقصد الأول من اللّه تعالى- كما تقدم ذكره- وقعت بينها
هذه المنازعة في طلب تلك المنافع و دفع تلك المضارّ بالعرض لا بالقصد.
و أما علّة كون الحيوانات بعضها آكلة، و بعضها مأكولة، فقد بيّنّا
طرفا منها في رسالة الحيوانات.
فصل في بيان أنواع الشرور التي تنسب إلى الأنفس الإنسانية من جهة
أحكام الناموس
فنقول: اعلم أن الخيرات و الشرور التي تنسب إلى الأنفس الإنسانية
الجزئية من جهة أحكام الناموس هي نوعان: فمنها ما هي أعمال لها و اكتساب منها، و
منها ما هي جزاء لأعمالها و مكافأة لها.
فأما التي هي الاكتساب فهي خمسة أنواع: منها ما هي علوم و معارف، و
منها ما هي أخلاق و سجايا، و منها ما هي آراء و اعتقادات، و منها ما هي