و منها العداوة التي في جبلتها. و منها
أفعالها التي بقصد منها و إرادة.
فأما آلامها فتكون من ثلاثة أوجه: أحدها ألم الجوع و العطش عند حاجة
أجسادها إلى المادّة و الغذاء. و الثاني ألم الضرب و الصّدم و الكسر المضر
بأجسادها المتلف لهياكلها. و الثالث ألم الأمراض و الأسقام المفسدة لمزاج أجسادها
و أخلاط أبدانها.
فأما الآلام التي تعرض لنفوسها عند الجوع و العطش فإن ذلك بالقصد
الثاني. و ذلك أنه لما كانت هذه الأشخاص كلّ واحد منها مركّب من جسد جسماني، و نفس
روحاني، و كانت الأجسام مركّبة من الأخلاط المركّبة المتضادّة، و هي دائمة في
الذوبان و السّيلان، و محتاجة في بقائها إلى المادّة و الغذاء، جعلت لنفوسها آلام
عند حاجتها إلى الغذاء و المادّة، لتكون تلك الآلام باعثة لنفوسها لتنهض بأجسادها
في طلب الغذاء. فلو لم تكن تعرض لها تلك الآلام، لتهاونت بها و تركتها بلا غذاء، و
كانت تذوب و تضمحلّ كلها، و تبطل لأقرب مدة و أهون سعي. و كانت تبقى تلك النفوس
إمّا بأجساد أو بلا أجساد، ناقصة غير تامة و لا كاملة. و كانت تعوقها المآرب التي
هي مقصودة بها، كما بيّنا في رسالة البعث و القيامة، و جعل لها أيضا عند تناول
الغذاء لذّة و شهوة. أما الشهوة فلأن لا تتناول من الغذاء ما لا يصلح لها.
و أما اللّذة فلأن تأكل و تشرب ما دامت الطبيعة محتاجة لها، و إذا
اكتفت زالت اللذّة. فهذه كلها بقصد من اللّه الواحد القهار، و من أجل النقص الذي
في الهيولى كيما تتمّ النفوس و تكمل، و أما الضرب و الكسر و الصدم و الجرح و الحر
و البرد و الأمراض و الأسقام، و بالجملة كل أمر مضرّ بالجسد مفسد فإنما جعل للنفوس
ألما لكيما تحثّها تلك الآلام على حفظ أجسادها و صيانة هياكلها، إذ كانت الأجساد
لا حيلة لها في جرّ منفعة و لا دفع مضرّة عنها.
و من الدليل على صحة ما قالوه ما تبين منها أنها كيف تنتبه من حال
النوم، و كيف تتيقظ من حالة الغفلة، و كيف تحسّ و تشعر بالأشياء المؤذية