و نبات غذائهم و أمتعتهم، و ما يحتاجون إليه
في أيام حياتهم؛ فمن أجل هذا خلقهم قرنا بعد قرن، و أمة بعد أمة، لأن الأرض لا
تسعهم، و الهيولى لا تحملهم دفعة واحدة. فقد تبيّن مما ذكرنا أن النقصان ليس من
قبل اللّه تعالى.
و علّة أخرى أيضا لأسباب الشرور. و ذلك أنه لما كانت هذه الكائنات
يبتدئ كونها من أنقص الوجود و أضعف القوى مترقّية إلى أتم الحالات، و أكمل الغايات
بأسباب معينة لها على النشوء و النمو، و مبلغة إلى أكمل غاياتها بعناية من اللّه
تعالى، سمّيت تلك الأمهات خيرات، و كذلك كل سبب عارض بلوغها عن ذلك يسمّى شرّا، و
هي عارضة لا بالقصد الأول، و المثال في ذلك ما تقدم ذكره من أمر الشمس و المطر.
فصل في بيان الفرق بين القصد الأول و القصد الثاني على قول الحكماء
فنقول: أما الخيرات التي تنسب إلى جبلة الحيوانات و ما في طباعها و
أخلاقها و أفعالها بقصد منها و إرادة فهي بالقصد الثاني لا بالقصد الأول.
ثم اعلم أن معنى قول الحكماء: القصد الأول، و القصد الثاني، أن الفرق
بينهما هو أن ما كان من قبل الباري تعالى من الإبداع و الإيجاد و الاختراع، و
البقاء، و التمام و الكمال و البلوغ، و ما شاكل ذلك من الأوصاف يسمى القصد الأول.
و القصد الثاني هو كل ما كان من قبل نقص الهيولى، إنه لم يجيء منها إلّا هذا، و
لم يقبل إلّا هذا، و ما شاكل ذلك من الأوصاف.
و أما بيان أنواع الشرور، و المنسوب إلى بعض الحيوانات، و إلى الجبلة
المركوزة فيها فنقول: إن الشرور التي تنسب إلى جبلة الحيوانات و ما في طباعها هي
ثلاثة أنواع: فمنها الآلام التي تعرض لها دون سائر الموجودات.