البلاد، و يصلح بها شأن العباد، فإن عرض من
ذلك أذيّة لبعض الحيوانات أو تلف النبات، أو تحزنت به العجائز، فليس ذلك بالقصد
الأول. و على هذا القياس حكم جميع ما ينسب إلى نحوس الفلك من الأمور العارضة للحيوان
و النبات و المعادن و مواليد الناس، و ما يحكم في تحاويل من السنين و أحكام
القرانات و ما شاكل ذلك، و ما ينسب إلى نحوس الفلك من الشرور و الفساد جميعا عارضا
بالقصد الأول.
و أما الخيرات التي تنسب إلى الأمور الطبيعية فهي كون الحيوان و
النبات و المعادن، و الأسباب المعينة لها على النشوء المبلغة إلى أتم حالاتها و
أكمل نهاياتها، فهي كلها بقصد من اللّه تعالى و عناية من تفضّله و إنعامه.
و أما الشرور التي هي الفساد و البلى الذي يلحقها بعد الكون و
الفساد، و الأسباب التي تعوقها عن البلوغ إلى التمام و الكمال، فهي عارض لا بالقصد
الأول و لكن بالقصد الثاني، و ذلك أن هذه الكائنات التي هي دون فلك القمر، لما لم
يكن أن تبقى أشخاصها في الهيولى دائما في هذا العالم، تلطفت الحكمة الإلهية و
العناية الربّانية أن يكون بقاؤها بصورها، و إن كانت الأشخاص في الذّوبان و
السيلان دائما. و المثال في ذلك صورة الإنسانية التي هي خليفة اللّه في أرضه فإنها
باقية منذ خلق اللّه تعالى آدم أبا البشر إلى يوم القيامة، و إن كانت الأشخاص في
الذهاب و المجيء، فهكذا حكم سائر الحيوانات و النبات و المعادن، و أنواعها باقية
بصورها، و إن كانت الأشخاص في السيلان و الذوبان. و إنما كان ذلك بواجب الحكمة،
لأن في القوة فضائل و خيرات بلا نهاية لا يمكن خروجها من القوّة إلى الفعل، و
الظهور دفعة واحدة في وقت واحد، لأن الهيولى لا تتسع لقبولها الأشياء شيئا بعد
شيء على التدرّج و ممرّ الأوقات و الزمان دائما أبدا. و المثال في ذلك أنه لو خلق
اللّه بني آدم كلهم، من مضى منهم و من هو موجود الآن، و من يحيا من بعد إلى يوم
القيامة في وقت واحد، لم تكن تسعهم الأرض برحبها، فكيف حيوانهم