مكوّنة من الأركان الأربعة مثل أشخاص
الحيوانات و النباتات و المعادن.
و منها مصنوعات نفسانية كالأفلاك و الكواكب و الأركان. و منها
مصنوعات إلهية كالعقل الفعّال و النفس الكليّة و الهيولى الأولى و الصورة
المجرّدة.
ثم نظروا إلى المصنوعات البشرية فوجدوا كل صانع من البشر محتاجا في
صناعته إلى ستة أشياء ليتمّ بها صنعته، و هي الهيولى، و المكان، و الزمان، و
الحركة، و الأدوات، و الآلة. و كل صانع طبيعي محتاج إلى أربعة منها، و هي الهيولى
و المكان و الزمان و الحركة. و وجدوا كل صانع نفساني محتاجا إلى اثنين منها، و هي
الهيولى و الحركة، فعند ذلك تبيّن لهم أن الباري تعالى غير محتاج إلى شيء منها،
لأن فعله و صنعته إنما هي اختراع و إبداع بلا حركة و لا زمان و لا مكان و لا أدوات
و ذلك أن اللّه تعالى أول شخص اخترعه و أوجده- جوهرا شريفا بسيطا روحانيّا- يسمّى
العقل الفعّال، ثم أبدع، بتوسّط هذا الجوهر، جوهرا آخر دونه في الشرف يقال له
النفس الكليّة.
ثم ابتدأ النفس الكليّة بتوسّط العقل الفعال فحرّكت الهيولى الأولى
طولا و عرضا و عمقا، و كان منها الجسم المطلق. ثم ركّب من الجسم عالم الأفلاك و
الكواكب و الأركان الأربعة جميعا. ثم أدار الأفلاك حول الأركان، و اختلطت بعضها
ببعض، و كان منها الموّلدات الكائنات من المعادن و النبات و الحيوانات، فتبارك
اللّه رب العالمين. فقد تبيّن بهذا الاعتبار و بهذا القياس العلة الفاعلة، و العلة
الهيولانية، و العلة الصّوريّة.
فأما الدليل على صحة ما قلنا و حقيقة ما وصفنا فلا يتبيّن إلّا بعد
معرفة النفس ذاته فإنه أشرف جوهرا من الجسم. و قد بيّنّا طرفا من ذلك في رسائلنا
الرياضيات و الطبيعيات و الإلهيات بما فيه كفاية، و لكن نذكر في هذا الفصل طرفا
منها بعون اللّه.