العام و البوار الكليّ. و قد يوجد الأمر
بخلاف ما يلزم من هذه الحكومة.
و ذلك أنهم قد تبيّنوا نظام العالم، و عرفوا إتقان خلق السماوات، مع
سعتها و كبر أجزائها، و كثرة خلائقها التي هناك، و ليس فيها شيء من الفساد و
الشرور البتّة، و أنها كلها على أحسن النظام، و أجود الترتيب و الهندام، و أن
الشرور لا توجد إلّا في عالم الكون و الفساد التي تحت فلك القمر، و لا توجد الشرور
أيضا في عالم الكون و الفساد إلّا في النبات و الحيوان دون سائر الموجودات، و لا
في كل وقت أيضا، و لكن في وقت دون وقت، و أسباب عارضة لا بالقصد الأول من الفاعل،
بل من جهة نقص الهيولى و عجز فيه عن قبول الخير في كل وقت أو على كل حال.
و قياسهم في ذلك، أعني كون الشرور من قبل الهيولى، و اعتبارهم
الموجودات في الشاهد، و ذلك أنهم قالوا: إنّا نجد في ودّ كل صانع أن تكون مصنوعاته
على أتقن ما يمكن، و لكن ربما لا يتأتّى في ذلك المادّة و الهيولى الموضوع في
صناعته إلّا على قدر ما، فهو يفعل فيها بحسب ما يتأتّى فيها، و يعمل عليها ما
يجيء عنها، و ليس العجز منه بل هو من الهيولى الناقص العسر القبول.
و مثال ذلك أن الحكيم منا في الشاهد في ودّه أن يعلّم كلّ علم و كلّ
حكمة يحسنها لأولاده و تلامذته، و أن يجعلهم حكماء فضلاء مثله في أسرع ما يكون، و
لكنهم لا يقبلون ذلك إلّا على التدريج، و في ممر الأيام و الأوقات، شيئا بعد شيء
لنقص فيهم، لا لعجز في الحكيم، و النقص في الكمال يسمّى شرّا، و ليس الشر سوى عدم
الخير و التمام و الكمال. فهذا كان مبلغ علمهم، و إلى هاهنا أدّى اجتهادهم.
فأما القائلون بالعلة الواحدة و أنها واحدة قديمة، فإنهم نظروا أدقّ
من نظر أولئك، و بحثوا أجود من بحثهم، و تأملوا غير تأملهم، فرأوا من القبيح
الشنيع أن يكون محدث العالم قديمين؛ و اعتبارهم و قياسهم كان في