العقوبة و العذاب إلى يوم الوقت المعلوم: «قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قالَ فَإِنَّكَ
مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ».
و هذه سنّة الفراعنة و حالهم في الدنيا و الدين الذين هم جنود إبليس
أجمعون، الذين يأنفون من الدخول تحت أمر الأنبياء و الطاعة لهم، و يؤخّرون و
يمهلون إلى يوم يموتون. فإذا ماتوا قامت قيامتهم و أخسئوا بالعذاب، فلا يزال ذلك
دأبهم إلى يوم يبعثون، كما قال تعالى: «النَّارُ يُعْرَضُونَ
عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ».
فقد تبين بما ذكرنا أن القائلين بقدم العالم لم يرتابوا و لم يضلّوا
عن الصّراط من قلة العقل و البلاهة، أو ترك النظر و البحث، و لكن من الآفات
العارضة، و الأخلاق الرديئة للنفوس، و الأسباب المختلفة، و الأمور المشكلة، و
القصور عن التمام، و تركهم ما كان أخذه عليهم أوجب، و فعله بهم أولى؛ و تعاطيهم ما
لم يكن من صناعتهم، و تكلّفهم ما لم يكن من قوّة نفوسهم.
فصل و أما الآخر من الخطأ الذي يطرأ عليهم
و ذلك أنهم أرادوا أن يعرفوا العلّة الفاعلة قبل معرفتهم المعلول، و
إنما يعرف الصانع المحتجب الغائب عن إدراك الحواس، إذا عرف المصنوع المكشوف
الظاهر، و إنما يعرف المصنوع بالنظر إلى الهيولى و اعتبار أحوالها، لأن في معرفة
حقيقة الهيولى، و معرفة أحوالها، معرفة المصنوع، و في معرفة المصنوع معرفة الصانع.
و قد بيّنّا في رسالة سمع الكيان ماهيّة الهيولى و حقيقتها و أحوالها، و لكن نذكر
هاهنا من أمرها ما لا بدّ منه.