المانع عن قبول الحقّ، و الحسد الدائم
للأقران و أبناء الجنس، و الحرص الشديد على طلب الشهوات، و العجلة و قلّة التثبّت
في الأمور، و البغض و العداوة عند الحكومة و الخصومات، و الميل و التعصب لمن يهوى،
و الحميّة الجاهلية عند الافتخار و الأنفة من الانقياد للطاعة وحب الرئاسة من غير
استحقاق، و ما شاكل هذه الآفات العارضة للعقلاء، المضلّة لهم عن سنن الهدى،
المانعة عن الانتفاع بفضائل العقل و منافعه.
ثم اعلم أنه ليس من مرتبة في الدنيا أرفع، و لا فضيلة أحسن من
الرئاسة في العقلاء لذوي السياسات و التدبير، و لا نعمة ألذّ و لا رتبة أحسن من
انقياد العقلاء للرئيس و طاعتهم له، و لا محنة أعظم و لا بلية أشدّ من عصيان
العقلاء للرئيس الفاضل و عداوتهم له. و هذه الخصال من إحدى أمّهات الخلاف و
المعاصي، و هي كبر إبليس و حرص آدم، 7، و عجلته حين بادر و حسد قابيل.
فأما الكبر فهي الخصلة التي سنّها إبليس فرعون آدم كفراعنة الأنبياء
الذين هم جنوده يوم أمر بالسجود لآدم و الطاعة و الانقياد لأمره.
و الخصلة الأخرى التي هي أيضا إحدى أمّهات المعاصي حرص آدم و عجلته
حين بادر و طلب ما ليس له، تناوله قبل حينه و استحقاقه، فلما ذاقها بدت له عورته،
و سقطت مرتبته، و انحطت درجته، و انكشفت عورته، و شمتت به أعداؤه! فلو لا أنه كانت
سبقت كلمة من ربه تفضّلا منه عليه و رحمة منه لكان لزاما له العقوبة و كلّ من عصى
من ذريّته، كأن يتعاجل بالعقوبة من ساعته، و لكن أمهل إلى وقت ما. فلما تاب و ندم
استحق الغفران و العفو: