و لا يرجو الثواب و لا يخاف العقاب فهو لا
يمتنع عن الشر جهده و طاقته، و لا سيما إذا دعته إليه الأسباب و أمكنه تجنّبها في
الظاهر مخافة للناس فهو لا يتجنبها في السر.
و اعلم أن الدين هو شيئان اثنان: أحدهما هو الأصل و ملاك الأمر و هو
الاعتقاد في الضمير و السر، و الآخر هو الفرع المبنيّ عليه القول و العمل في الجهر
و الإعلان. و نحتاج أن نشرحهما جميعا حسب ما جرت عادة إخواننا الكرام الفضلاء،
فنبدأ أولا بذكر الاعتقادات، إذ كانت هي الأصول و القوانين فيما هو غرضنا و
مقصودنا في هذا المقام، كما قيل: «إنما الأعمال بالنيات و لكل امرى ما نوى».
فصل في بيان ماهية أجود الآراء و خير الاعتقادات
فنقول: اعلم أن اعتقادات الناس كثيرة لا يحصي عددها إلّا اللّه
تعالى، و لكن لا تخرج كلها من ثلاثة أنواع: فمنها ما يصلح للخاصّ دون العامّ، و
منها ما للعامّ دون الخاصّ، و منها ما بين الخاصّ و العامّ. و نريد أن نذكر في هذا
الفصل ما يصلح للخاصّ و العامّ جميعا أن يعتقدوه، إذ كان القسمان الآخران كثيري
الأنواع و الفروع التي يطول شرحها، فنقول:
اعلم أن من أجود الآراء و أنفع الاعتقادات، و ما يصلح لجميع الناس من
الخاص و العامّ أن يعتقدوها، و يقرّوا بها، هو القول بحدوث العالم، و أنه مصنوع، و
له بارئ حكيم، و صانع قديم، و خالق رءوف رحيم؛ و أنه قد أحكم أمر عالمه، و أتقن
أمر خلقه على أحسن النظام و الترتيب، و لم يترك فيه خللا و اعوجاجا البتّة. فإنه
لا يجري في عالمه أمر، و لا يحدث حدث صغير و لا كبير، دقيق و لا جليل، إلّا هو
يعلمه قبل كونه، لا