فنقول: اعلم أن الآراء الفاسدة و اختلاف العلماء فيها منها ما هو من
امر الدين و الشريعة و سننها، و ما يتعلق بها من العلوم و الأحكام، و منها ما هو
في الآداب و الرياضيات و العلوم و الصنائع مما ليس له تعلق بأمر الدين، مثل الحساب
و الهندسة و النجوم و النحو و الطب و ما شاكلها.
فأما التي لها تعلّق بأمر الدين فهي كثيرة لا يحصي عددها إلّا اللّه،
و لكن يجمعها كلها نوعان: حكميّة و نبوية. و نريد أن نذكر أصول هذه الآراء و
المذاهب و بعض فروعها مختصرا أوجز ما يمكن. و إذ كان الشرح و الاستقصاء يطول،
فنبدأ أولا في بيان الآراء الحكميّة و مذاهبها، إذ كانا قد بيّنّا طرفا من الآراء
النبوية في رسالة النواميس الإلهية و المذاهب الرّبّانيّة، و لكن نريد أن نذكر من ذلك
ما لا بدّ في هذا الفصل جملا قبل ذكرنا الآراء الحكمية و المذاهب البدعية، ليكون
الناظر فيها يحفظها و يعتقدها، و يتعلق بقلبه قبل نظره في الآراء الحكمية و
المذاهب البدعية، و البحث عنها و الاحتجاجات عن أهلها المفسدة للعقول السليمة
الغير المرتاضة.
فأما بيان ماهيّة الخصال المانعة للإنسان عن الشرور فحسبما نبيّن
هاهنا، و ذلك أن الناس مختلفون في طباعهم و أخلاقهم و أعمالهم و عاداتهم و علومهم
و صنائعهم، ذوو فنون شتى لا يحصي عددهم إلّا اللّه تعالى، و لكن منهم خيّر و شرير،
فنقول: أشرّ الناس من لا دين له و لا يؤمن بيوم الحساب. و العلّة في ذلك أن
الإنسان لما خلق مستطيعا لعمل الخير، ممكنا به، و هو بتلك الاستطاعة بعينها يقدر
أن يعمل الشر لاسباب شتى، و يمنعه عنه علل عدة، و قد بينّاها في رسالة الأخلاق، و
لكن أمنع الخصال للإنسان عن الشر، و أقمعها عنه، الدين و توابعه من الورع و التقى
و الحياة و المروءة و الرحمة و الخوف و ما شاكلها من خصال الدين و الإيمان. فمن لا
يؤمن بيوم الحساب