من أدناس الشهوات الطبيعية و الغرور باللذات
الجرمانية الذين ذمهم اللّه بقوله:
«أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ» و قال: «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا» و قال:
«رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها» و قال: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً» و آيات كثيرة في القرآن في ذم المريدين للدنيا و مدح المريدين
للآخرة، وفقك اللّه لإفادة الدار الآخرة و جعلك من أهلها و جميع إخواننا.
و إذ قد تبيّن بما ذكرنا طرف من مقاييس أهل الصنائع و العلوم، و
موازين الحكماء فيها، نريد أن نذكر طرفا من مذاهبهم و آرائهم، و بخاصّة ما كان في
أمر الدين، إذ كان هذا الفن من المباحث و المطالب و من أشرف الصنائع البشريّة، و
ألطف العلوم الإنسانية، و أعجب المعارف، و أعرف الإدراكات، و أهلها أعقل الناس، و
مدركاتهم أكثر من المعلومات، و ذلك أن هذه الدرجة أحقّ درجة يبلغ إليها العقلاء في
طلبهم العلوم و المعارف، و هذا البحر من العلم أوسع أقطارا، و قعره و لجّة أعمق
أغمارا، و جواهره أنفس أقدارا، و سالكوه أبعد مراما، و ربحهم أكثر تزايدا، و أحزانهم
أعظم مصيبة من سائر ما تقدّم ذكره، لأن من أرشد في هذا الطريق، فسيرته سيرة
الملائكة، و من ضلّ عنه سلك به مسلك الشياطين، و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم! و سنبيّن صحة ما قلنا و حقيقة ما وصفنا عند ذكرنا الآراء الحكمية، و
المذاهب البدعيّة الفرقيّة، و الديانات النبوية، و المنهاجات السنيّة، و السّير