ثم اعلم أن هذا الميزان هو آخر الموازين
كلها فمن رجحت حسناته في هذا الميزان فقد أفلح و ربح سعادة أبدية و فاز فوزا
عظيما، و من خفّت موازينه فقد خاب و خسر خسرانا مبينا.
فانظر لنفسك يا أخي و بادر و اعمل عملا صالحا و تزوّد فإن خير زادك
التقوى، و حاسب اليوم نفسك قبل أن تحاسب فهو أيسر لحسابك، و كن وصيّها تأمن تفريط
وصيّك بعدك، و زن أعمالك اليوم و لا تغفل قبل أن تحاسب بموازين الغد، فهو أثقل
لوزن حسناتك، إن كنت تحسن هذا الوزن و هذا الحساب كيف يكون، و إن كنت لا تدري و لا
تحسن، فهلمّ إلى مجلس إخوان لك نصحاء أصدقاء كرام فضلاء، ليعرّفوك كيفيّة محاسبة
نفسك، و وزن حسناتك، فإنهم أهل هذه الصناعة، و قد قيل: «استعينوا في كل صنعة
بأهلها».
و قد وضعنا هذا الحساب و هذا الميزان في رسالة البعث و القيامة
فاعرفها من هناك، إذا وقفت على جبل الأعراف مع أهل المعارف الذين ذكرهم اللّه
تعالى و وصفهم بقوله: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ
يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ
عَلَيْكُمْ بما صبرتم» ثم وصفهم بقوله: «رِجالٌ لا
تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
فلا تغتر يا أخي بقول من يقول و يظن بأن هذا يعرف بعد الموت. هيهات هيهات: أولئك
ينادون من مكان بعيد كيف يعرف بعد الموت و اللّه تعالى يقول:
«وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ
سَبِيلًا».
نبهك اللّه أيها الأخ من نوم الغفلة و رقدة الجهالة، و أحيا قلبك
بنور المعارف و جعلك من الذين ذكرهم بقوله: «أَ وَ مَنْ
كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها» و
ظلمات الجهالات المتراكمات بعضها فوق بعض على قلوب الغافلين، كما ذكر في كتب
النبوات من المعارف الشريفة و الأسرار المكنونة التي لا يمسّها إلّا المطهّرون