و الأصطرلاب و آلات الرّصد، كلّ ذلك في طلب
معرفة اجزاء الزمان و مقادير الأوقات.
و منها ما يستعمله المسّاح و القسّام و المهندسون في طلب معرفة
الأجرام و الأبعاد كالذّراع و الباب و الأشل و ذوات الشفتين و ما شاكلها.
و منها ما يستعمله الصّنّاع في صنائعهم كالبركار و المسطرة و الكونيا
و الشاقول و الزاوية و ما شاكلها، كل ذلك لمعرفة الاستواء و الاعوجاج.
و منها ما يستعمله أهل كل صناعة على حدتها. فأما الذي يستعمله باللسان
فمثل العروض التي يستعملها الشعراء و الخطباء و النحويون و الموسيقيون. فأما التي
تستعمل بالضمير فهو مثل ما يستعمله الفقهاء الحكماء عند تفكّرهم في المعلومات
المحسوسات و المشاهدات، و استخراجهم بها الخفيّات المعقولات و صحة القياسات في
إدراك المبرهنات.
ثم اعلم أن هذه المقاييس كلها طرقات إلى المعلومات، و هذه الموازين
حكام و عدول نصبها الباري تعالى بين خلقه ليتحاكموا إليها في طلب العدل و الإنصاف
و الحقائق، و الاستواء، و يجتنبوا الزور و الخطأ و الظلم و الجور، و يرفعوا بها
الخلاف و المنازعة من بينهم بحزر الظنون و تخمين الرأي.
ثم اعلم أنه قد يقع الخلاف و المنازعة بين المستعملين للقياس و
الموازين أيضا من جهات أربع: إما بقصد من المستعملين لها دغلا و غشّا لأغراض لهم،
و إما بسهو منهم، و إما بجهلهم بكيفية استعمال الميزان، و إما أن يكون القياس و
الميزان معوجّا غير مستو، فمن أجل هذه الوجوه يقع الخلاف و المنازعة بين أهلها،
فهذه أيضا أحد أسباب الخلاف بين العلماء في آرائهم و مذاهبهم.
ثم اعلم أن هذه الموازين و المقاييس التي تقدم ذكرها كلّها دلالات و
مثالات و إشارات إلى الموازين التي ذكره اللّه تعالى بقوله:
«وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئاً».