فنقول: اعلم أن الموازين التي وضعها الحكماء ليعرف بها الخطأ و الزلل
في القياس مختلفة الفنون، و ذلك بحسب الصنائع و العلوم و القوانين كما هو موجود في
اختلاف موازين أهل البلدان النائية، و مكاييلهم معروفة بينهم بحسب موازين أهل
البلدان في موضوعاتهم، و لكن مع اختلافها كلها فالغرض المطلوب منها هو إصابة الحق،
أو العدل و الإنصاف فيما يتعاملون بينهم في الأخذ و الإعطاء، فهكذا أيضا غرض
الحكماء في استخراج البرهان الذي يسمى ميزان العقل، و هو طلب الحقائق و إصابة
الصواب، و تجنب الزور و الخطإ باستعمال القياسات، و لكن منهم من يصيب و منهم من
يخطئ أيضا في استعمال هذه الموازين، و ذلك من إحدى ثلاث خصال: إما بجهله بحقيقة
هذه الموازين و كيفية استعمال هذا الميزان، أو لغرض من الأغراض في موازين الناس و
مكاييلهم المعروفة بينهم و المستعملين لها كيف يدخل الخطأ و الزلل عليهم، و إما
بجهلهم بصحة الميزان و بكيفية استعمالهم له أو لغرض من الأغراض. فأما واضعوها فما
قصدوا في وضعها إلّا لطلب الحق و الصواب و العدل و الإنصاف.
و اعلم أن الموازين التي وضعها الحكماء في طلب حقائق الأشياء في
العلوم و الصنائع كثيرة لا يحصي عددها إلّا اللّه الواحد القهار، و لكن كلها لا تخرج
عن ثلاثة انواع: إما أن يستعمل بالأيدي أو باللسان أو بالضمير، و التي تستعمل
بالأيدي كالقبان و الشاهين و المكاييل و الموازين و الأذرع و ما شاكلها.
و بالجملة كل مقياس يستعمله الناس في معاملاتهم في الأخذ و الإعطاء
في طلب العدل و الإنصاف بينهم.
و منها ما يستعمله المنجمون و أصحاب الرّصد و قسّام المياه كالبركار