و الغرور بما لا حقيقة له. لكن منهم مصيب و
منهم مخطئ «وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».
ثم اعلم أن كثيرا من أهل الجدل يظنون و يحكمون بحكمهم و ظنونهم أن
اللّه سبحانه و تعالى كلّف عباده طلب الحقائق و إصابتها جميعا، و جعل لهم وعيدا إن
أخطؤوا أو لم يصيبوا، و ليس الأمر كما ظنوا لأنه قال:
«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» و
الوسع دون الجهد و الطاقة، و إصابة الحق ليس في وسع الطاقة فكيف، و لا في وسعها، و
إنما كلف اللّه العباد طلب الحقائق و الجهد في الطلب. فأما إصابتها فالله يهدي من
يشاء إليها- كما وعد جلّ جلاله- «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا
فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» و إنما شرط بقوله فينا، لأن
من الناس من لا يكون جهده في الطلب لوجه اللّه، و لكن لأسباب أخر يطول شرحها. فمن
أجل ذلك لا يستحق الهداية و لا يستأهل الإصابة.
ثم اعلم أن هذه المسألة هي إحدى مسائل أمهات الخلاف: و ذلك أن كثيرا
من الناس من يقول أو يظن أنه مستغن عن العلوم في طلب الحقائق بما رزقه اللّه تعالى
من الفهم و التمييز و الذكاء و الاستطاعة، فيتكل على حوله و قوته و ينسى ربه و
الاستعانة به و السؤال له و التوفيق، فيخذل و يحرم التوفيق كما قال اللّه تعالى: «نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ».