و لكن من هؤلاء من يحتج و يقول معنى الرجوع
إلى اللّه أي إلى ثوابه، و لو أنهم اعتبروا سنن الديانات النبوية و الموضوعات
الناموسية الإلهية كيف فرض فيها واضعوها في كل سبعة أيام يوما لترك الأعمال و
الاشتغال لأمور الدنيا، و الفراغ للعبادة و الاجتماعات في بيوت العبادات من
المساجد و البيع و الكنائس و الهيكل، بالصوم و الصلاة و القرابين في الأعياد، و
البروز إلى الصحراء و المنابر و الخطب، و السكوت و الاستماع للمواعظ، و التذكار
لأمر المعاد بأن هذه كلها إشارات و مرامي أحوال القيامة التي في سبعة آلاف سنة
تعرض للنفوس الجزئية المتجسدة، لدى النفس الكلية، لفصل القضاء، ليحكم بينهم فيما
كانوا فيه يختلفون. فلو تركوا جدالهم و اشتغلوا بما ينفعهم من أعمالهم الصالحة، و
التخلّق بالأخلاق الجميلة، و طلبوا الآداب المحمودة، لكان خيرا لهم من الجدال و
الخصومات و الغضب و التعصب و العداوات. و لكن لاستيلاء المرّيخ عليهم في مواليدهم
يحثّهم على ذلك، و قوة المرارة تنمى إلى أمزجتهم، فيقيمهم على مثلها، فتطول صحبتهم
مع أستاذيهم و رسائلهم، معودون ذلك، و دوامهم فيما يتدربون به، فيصير عادة لهم لا
يصبرون عنها! فلا تطمع يا أخي في صلاحهم، و إنما أكثرنا ذكر هذه الطائفة المجادلة
لأن كثيرا من أسباب الخلاف في الآراء و المذاهب من قبلهم يقع، و هم السبب فيه
لأنهم يتكلمون الكلام و الجدال و الحجاج في دقائق العلوم و يتركون تعلم أشياء واجب
عليهم تعلمها و هي بينة ظاهرة جلية و هم يجهلونها جملة.