و تجد فيهم أيضا من يجادل و يحتج و يناظر، كلامه ينقض بعضه بعضا، و
لا يدري بذلك، فإذا نبّه عليه لم يشعر به. و تجد فيهم أيضا الرجل العاقل الذكي
المحصّل في أشياء كثيرة من أمور الدنيا، فإذا فتشت اعتقاده، في أشياء بيّنة ظاهرة
في العقول السليمة من الآراء الفاسدة، وجدت رأيه و اعتقاده في تلك الأشياء أسخف و
أقبح من رأي كثير من الجهال و الصبيان. و العلة في ذلك أسباب شتى: منها شدة تعصبه
فيما يعتقده بقلبه من غير بصيرة، و أخرى إعجابه بنفسه في اعتقاده، و أخرى اعتقاده
الأصول خفيّ فيها خطؤه، بيّن ظاهر الشناعة في فروعها، فهذا يلزم ذلك الشناعات في
الفروع مخافة أن تنتقض عليه الأصول، و يطلب لها وجوه المراوغة عن إلزام الحجة
عليه، تارة يشغب، و تارة يموّه، و تارة يروغ في الجواب و الإقرار بالحق، و يأنف أن
يقول: لا أدري. و اللّه و رسوله أعلم! كما كان في زمان النبي، صلى اللّه عليه و
سلم، إذا سئلوا عما لا يدرون، قالوا: اللّه و رسوله أعلم، اقتداء بأمر اللّه كما
قال: «وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى
اللَّهِ» و قال: «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ
وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ».
و لكن كثيرا من المجادلة يعتقد أن لا رجوع له إلى اللّه على الحقيقة،
و لا يرجو لقاءه و لا يجوز رؤيته، لما نظر بعقله الناقص، أداه اجتهاده إلى هذا
الرأي، فترك ما ذكر اللّه في كتابه في عدة مواضع و ذلك قوله:
«ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» و
قوله: «إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً
ثم يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» و
قوله: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ
إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ؟» و قال: