و المذهب، لا على سبيل الورع و التدين و طلب
الحق، لكن على سبيل التعصب و الحميّة، و التعصب و الحمية يعميان عن الحق و يضلان
عن الصواب.
ثم اعلم أنه ليست من طائفة تتعاطى العلم و الأدب و الكلام أشرّ على
العلماء و لا أضرّ على الأنبياء، و لا أشدّ عداوة لأهل الدين، و أفسد للعقول
السليمة من كلام هذه الطائفة المجادلة الظّلمة، و خصوماتهم في الآراء و الخصومات و
المذاهب. و ذلك أنهم إن كانوا في أزمان الأنبياء، :، و عند مبعثهم فهم
الذين يطالبونهم بالمعجزات، و يعارضونهم بالخصومات، مثل ما قالوا للنبي، 7: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ
يَنْبُوعاً» و قالوا لنوح، 7: «وَ ما نَراكَ
اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا» و
هم الذين إذا مروا بالمؤمنين يتغامزون، و قال تعالى في ذمهم:
«ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» فهذه حال من كانوا يعارضون أهل الدين في أزمان الأنبياء :.
فأما إذا كانوا في غير أزمان الأنبياء فهم الذين يعارضون أهل الدين و
الورع بالشّبهات، و ينبذون كتب الأنبياء، :، وراء ظهورهم، يفرّعون
الآراء و المذاهب بعقولهم الناقصة و آرائهم الفاسدة، و يضعون لمذهبهم قياسات
مناقضة، و احتجاجات مموّهة، و يعارضون بها العقلاء من الأحداث و العامة، فيضلّونهم
عن سنن دياناتهم النبوية، و يعدلون بهم عن موضوعات الشرائع الناموسية.
ثم اعلم أنه ليس من صناعة بين أهلها من التفاوت ما بين أهل هذه
الصناعة، و ذلك أنك تجد فيهم من يكون له جودة عبارة و فصاحة كلام و سحر بيان يقدر
معه على أن يصوّر بوصفه البليغ الحقّ في صورة الباطل، و الباطل في صورة الحق، و هو
مع ذلك جاهل القلب عن حقائق الأشياء، بعيد الذهن عن المعارف. و روي عن النبي، صلى
اللّه عليه و على آله و سلم: «أخوف ما أخاف على أمتي رجل منافق، عليم اللسان، غير
حكيم القلب، يغيّرهم