و اعلم يا أخي بأن الجسد كالسفينة، و النفس كالملّاح، و الأعمال
الصالحة كالبضاعة و الأمتعة للتاجر، و الدنيا كالبحر، و أيام الحياة كالمعبر، و
الموت كالساحل المتوجّه إليه، و الدار الآخرة كمدينة التاجر، و الجنة هي الربح، و
اللّه تعالى هو الملك المجازي، كما أن التاجر إذا عبر البحر و سلمت أمتعته و
بضاعته، و لما لم يخرج من السفينة، لا يمكنه الدخول إلى مدينة للتجارة، و يفوته
ربح بضاعته، فهكذا حكم النفس مع الجسد أيضا، و ذلك أنها إذا قطعت أيام الحياة
الدنيا بالأعمال الصالحة، و سارت سيرة عادلة، و تخلقت بالأخلاق الجميلة، و اعتقدت
آراء صحيحة، و نظرت في أمور المحسوسات فعرفتها معرفة صحيحة، و بحثت عن حقائق
المعقولات و أحكمتها و بلغت آخر العمر و هدم الجسد، فليس التدبير و الحيلة إلّا
الفراق الذي هو موت الجسد، فلو لم يكن الموت، لما أمكنها الصعود إلى ملكوت السماء
و لا الدخول في زمرة الملائكة، و لا الوصول إلى الجنة و كان يفوتها لقاء اللّه
تعالى و نعيم الدار الآخرة، كما يفوت الجنين مشاهدة هذا العالم على حقيقته، لو لبث
في المشيمة، و لم يظهر منها؛ فإذا الموت حكمة و رحمة و نعمة، إذ لا وصول لنا إلى
ربنا إلّا بعد خروجنا من هذا الهيكل و مفارقة أجسادنا:
«كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ».