العقلاء في تصرفاتهم في أمور الدين و
الدنيا، و كيف يعرف ذلك منهم، فنريد أن نذكر طرفا من أحوال العلماء الذين هم أفضل
العقلاء، و نبيّن مراتبهم في العلوم و الصنائع و المعارف، و كيفية معلوماتهم التي
في أوائل العقول، المتّفق عليها بين أهل كل صناعة و علم و مذهب، فيما يخصّهم، و ما
يتميّزون به عن غيرهم.
فصل في الفرق بين أصول الصنائع و العلوم و فروعها
فنقول: اعلم أن لكل علم و أدب و صناعة و مذهب أهلا، و لأهلها فيه
أصولا، فهم فيها متفقون في أوائل عقولهم، و لا يختلفون فيها و إن كانت عند غيرهم
بخلاف ذلك. و إن لتلك الأصول أيضا فروعا و هم فيها يختلفون، و لهم في كل أصل
قياسات عليها يتفرّعون، و موازين بها يتحاكمون فيما يختلفون، و هي كثيرة لا يحصي
عددها إلّا اللّه الواحد القهار، و لكن نذكر منها طرفا ليكون إرشادا لمن يريد
النظر فيها و الباحثين عنها، فنبدأ أولا بصناعة العدد التي هي أول الرياضيات
فنقول:
إن الأصل المتفق عليه بين أهلها هو معرفتهم لماهيّة العدد و كيفية
نشوئه من الواحد الذي قبل الاثنين، و علمهم بأن العدد ليس هو شيئا سوى كثرة الآحاد
يتصوّرها الإنسان في نفسه من تكرار الواحد في التزايد بلا نهاية.
و علمهم بأن تلك الكثرة، كم بلغت، لا تخلو من أن تكون أزواجا و
أفرادا آحادا، و عشراتها و مئاتها و ألوفها بالغا ما بلغ. و هذا هو الأصل المتفق
عليه بين أهل صناعة الأرثماطيقي الذين لا يختلفون فيه.
و أما كمية أنواعها و خواصّ تلك الأنواع فهم في معرفتها متفاوتو
الدرجات،