واحد، فمن أجل هذا فرّقت في جميع أشخاص
الإنسان كلها مع كثرتها، و لا تخرج من صور الإنسان البتّة التي هي إحدى الصور التي
تحت فلك القمر و هي صورة الصور، فلأجل ذلك تراه في غاية الاعتدال في حال الفطرة،
ثم تخرجه عن ذلك عاداته الحسنة و الرديئة، فتصير كالطبع له. و العادة توأم
الطبيعة، و قيل: طبيعة منتزعة، و قيل: صعب ترك عادة منتزعة، كما قيل صعب طلب ما
ليس في الطبع.
ثم اعلم أن هذه الصورة هي خليفة اللّه في أرضه متحكّمة فيها، مع
كثرتها، على حيواناتها و نباتاتها و معادنها، حكم الأرباب على خولها، إذ سجدوا لها
بجملتها، و هي صورة واحدة، و إن كانت أشخاصها كثيرة، فإن حكم جميع الأشخاص في هذه
الصورة كحكم جميع أعضاء بدن الإنسان الواحد لصورة نفسه، و هي المتحكّمة في جميع
البدن على عضو عضو، و مفصل مفصل، و حاسّة حاسّة، من يوم الولادة إلى يوم الفراق،
كما بيّنا في رسالة تركيب الجسد. فهكذا حكم هذه الصورة في جميع أشخاص البشر
الأوّلين و الآخرين من يوم خلق اللّه تعالى السماوات و الأرض. و آدم أبو البشر
التّرابي له الحكم في هذه الأرض و الربوبيّة على جميع ما فيها إلى يوم القيامة
الكبرى. «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ» كما بيّنّا في رسالة البعث و القيامة. و إذ قد تبيّن مما ذكرنا طرف
من علل تفاوت العقلاء في درجات عقولهم، نريد أن نذكر أيضا كيف تبيّن فيهم رجحان
العقول و المعقول، و كيف يعرف ذلك فيهم.