فنقول: إن ذلك يتبين فيهم و يعرف منهم بحسب طبقاتهم في أمور الدنيا،
و مراتبهم في أمر الدين، و هي كثيرة لا يحصي عددها إلّا اللّه تعالى. و لكن نجمعها
كلّها في هذه التسعة الأقسام لتقرب من الفهم، و نحصرها للحفظ فنقول:
إن منهم أهل الدين و الشرائع و النبوّات، و أصحاب النواميس، و من
دونهم من الموسومين بحفظ أحكامها و مراعاة سننها، و المعروفين بالتعبّد فيها.
و منهم أهل العلم و الحكماء و الأدباء، و أصحاب الرياضات الموسومون
بالتعاليم و التأديب و الرياضات و المعارف. و منهم الملوك و السلاطين و الأمراء و
الرؤساء، و أرباب السياسات، و المتعلقون بخدمتهم من الجنود و الأعوان و الكتّاب و
العمال و الخزّان و الوكلاء و من شاكلهم. و منهم البنّاء و الزارعون و الأكرة و
الرعاة للشاة، و ساسة الدواب، و رعاة الحيوان أجمع. و منهم الصّنّاع، و أصحاب
الحرف، و المصلحون للأمتعة و الحوائج جميعا. و منهم التجّار و الباعة، و
المسافرون، و الجلّابون للأمتعة و الحوائج من الآفاق.
و منهم المتعيّشون الذين يعيشون في خدمة غيرهم و قضاء حوائجهم يوما
بيوم.
و منهم الضعفاء و السّؤّال و المكدّون، و من شاكلهم من الفقراء و
المساكين.
ثم اعلم أن كل إنسان من أهل هذه الطبقات- كائنا من كان- لا يخلو من
أن يكون فيها رئيسا سائسا لغيره، أو يكون مرءوسا مسوسا فيها بغيره، و رجحان عقل كل
رئيس سائس يتبيّن فيها، و يعرف منه في حسن سياسته، و تدبير رئاسته، و حسن عشرته مع
أبناء جنسه، ما لم يخرج من سنّة شريعته و حكم الناموس. و رجحان عقل كل مرءوس مسوس
يتبين فيه و يعرف فمنه في حسن طاعته لرئيسه، و سهولة انقياده لأمر سائسه،